تقبّل التغيير واترك أثرًا

عندما نسافر في أعماق ذواتنا سنلحظ حركة صراع داخلي بين مجموعة من العوالم الصغيرة التي يسعى كل واحد منها إلى أن يتغلّب على الآخر في حركة دؤوبة تشكّل لوحة فنية رائعة هي بمثابة خارطة طريق في مجالات شتى ومتعددة يخالف بعضها بعضًا أحيانًا، تعيش بدواخلنا وتتجلى فيها مختلف التجارب والروئ والأحداث المتراكمة عبر السنين.

فهناك شخصية تعيش العزلة والبعد عن فوضى المجتمع وتلوثه الروحي والسمعي والبصري لتحظى بلحظات الصفاء والاستقرار وربما إلى أعمق من ذلك، لتتشكّل بعدها الأبعاد الثقافية والمعرفية والروحية والتي حتمًا ستصوغ هذه الشخصية الإنسانية وتترك فيها أثرًا بالإيجاب أو السلب في رحلة العمر.

وهناك صورة أخرى تمثل حركة التقدم في العمر بعد المرور بكل التجارب والامتحانات والتي تمثّل منعطفًا رئيسًا في حياة الأفراد بما ينسجم ويتلاءم مع المرحلة العمرية وطموحها وتطلعاتها وآمالها والتي تسعى جاهدة للتكيف والانسجام والتعايش مع بقية أفراد المجتمع بمختلف مشاربهم، مما يعني قدرة على صناعة وتبادل المعرفة والخبرة المكتسبة .

ومن أمثلة هذه المرحلة هي مرحلة الحياة الوظيفية وهي من أهم مراحلنا العمرية وفيها تتكون ملامح الشخصيه التي نرغب بها بداخلنا وغالبًا ما نتأثر فيها بمختلف المدارس الفكرية والثقافية والعملية من حولنا. فالاندماج في مجتمع العمل مطلوب لنكون قادرين على العطاء والإبداع بطريقة احترافية نحو التميز والاحتراف المهني.

وهنا يواجه الفرد واحدة من أهم التحديات الكبيرة وهي مسألة التوازن بين الوظيفة والحياة الاجتماعية! بعد هذه الرحلة الطويلة تأتي ثمرة هذه التجارب في مرحلة التقاعد وما بعد العمل ، وهنا يتبادر للذهن سؤال هو بمثابة نقطة التحول في مسيرة ما بعد التقاعد، وهو: هل سيبقى هذا المتقاعد رهينة مشاكل وهموم العمل التي تأتي إليه عن طريق الأصدقاء أو الزملاء الذين مازالو على رأس العمل؟ عندما يجتمعون في المناسبات والمجالس الاجتماعية؟ أو أنه يعيش مرحلة مختلفة يتطلع فيها لبناء علاقات اجتماعية جديدة تتناسب ومرحلته العمرية وطموحاته الهادفة ومن أهمها الراحة والاستجمام ومكافأة النفس والاهتمام بالحياة الأسرية وانتقال نوعي إلى عالم جديد ذي هدف في الحياة يختلف عن ما سبقه من مراحل عمرية؟ لا يمكن الاستمرار كما أنت في اهتماماتك وميولك وهواياتك! حتمًا سيتغيّر نمط الحياة ونوعية الأصدقاء! وأجمل طريقة لتحقيق ذلك هو جعل الماضي كذكرى نستفيد منها لصناعة مستقبل أفضل والأهم من ذلك أن نستمتع بكل ما فيها من جميل قبل أن نفقد طعم الحياة وحينها لا ينفع الندم، بلا شك أن المرحلة الجديدة من الانسجام والتكيف ليست أمرًا بسيطًا! وسنصادف بعض الحواجز والعقبات التي تجعلنا مترددين في بادئ الأمر، وسنحتاج إلى قوة إرادة وإدراك يجعلنا قادرين على التغلُّب على هذه الحالة، مما يؤدي إلى شحن الحياة من جديد.

ومن المؤكد أن المصالحة مع النفس والرضا والسلام الداخلي من أهم ما يميّز كل مرحلة من مراحل العمر إلا أنها تتجلى بشكل أكبر في هذه المرحلة؛ فلا نجامل كثيرًا على حساب استقرارنا الداخلي وما وصلنا إليه من الطمأنينة لنستطيع العيش بسلام، فتتحقق الغايات بوضوح الرؤية وجلاء المقصد.



error: المحتوي محمي