اللهمّ إني صائم!

اليوم هو الخميس غرة شهر رمضان سنة 1444 هجرية؛ كيف تجدون صيامكم في أول يوم من الشهر؟ كلنا أو أغلبنا في موقف أو آخر في شهر رمضان جاء على لسانه: “اللهمّ إنّي صائم”، فيا ترى هل صعب تطبيقها أم من السهل؟

جرب.. فقط ولو ليومٍ واحد أو ساعة واحدة أن تضبط أعصابك وتطبق معنى “اللهم إني صائم”! صعب جدًّا أليس كذلك؟ عندما تخرج إلى الدوام والنّاس تضايقك في الطريق في ساعة الذروة! تعود إلى البيت وأنت منهك، وكذلك يضايقك الآخرون. إذا كنت تسرق لا تسرق، تغش لا تغش، تغتاب لا تغتاب، تتوقف عن أن تنظر إلى ما ليس لك! فكر، كم هي الأمور الصغيرة والكبيرة التي تسرق ثواب الصوم؟!

جرب ألا تغضب إذا أخطأ أحد في حقك وأنت صائم! الجوع والصيام لعدة ساعات سهل جدًّا وقد يكون هناك من أنواع تخفيف الوزن -الرجيم- ما هو أشقّ من الصيام، لكن صيام المشاعر عن رد الإساءة بمثلها أصعب، وكظم الغيظ ليس سهلًا! من المؤسف أن يكون صومنا تركًا للأكل والشرب ولا تصوم جوارحنا عن سوء الأدب والمعاصي؛ قد يكون أجرنا إذن على قدر المشقة، مشقة الجوع ونحول الجسم لا غير!

سوف تكتشف في مدة قصيرة جدًّا أنّ أهون أنواع الصوم هو الامتناع عن الأكل والشرب وأنّ الصوم الحقيقي هو الذي تصوم فيه الجوارح عن المعاصي وعن أذى الغير ورد الإساءة بالمثل! عنه صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل “من لم تصم جوارحه عن محارمِي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي”.

سمعَ رسول الله صلى الله عليه وآله امرأةً صائمة تسبّ جارية لها، فدعاها لطعام فامتنعت لكونها صائمة فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس عن الطعام والشراب وإنما جعل الله ذلك حجابًا عن سواهما من الفواحش من الفعل ‏والقول، ما أقلَّ الصوّم وأكثر الجوع!

هل نستطيع إذن أن نقول أن في الصيام امتحان أكبر من فكرة الجوع؟ يبدو كذلك، أن الصيام يعلو ويطير بجناحين إذا هاض أحدهما لا ينهض الصيام كما ينبغي! وإلا كيف يكون صيامًا عن الأكل – فقط – دون أن يكون صيامًا عن الأمور الأعظم؟! إذن لهان ذلك على كلّ فرد!

من المؤسف أنه في مقدورنا أن نشتري الطعام والشراب من الأسواق ولا نستطيع أن نشتري الصبر والتحمل أيضًا! إنما علينا بعقلنا وبذَواتنا فهم فكرة الصوم -الحقيقي- الذي يكون فيه “أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب”.

سأل الإمام علي عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.



error: المحتوي محمي