السجلات العقلية في ذاكرة الإنسان ثلاثة أقسام:
1- مؤقتة (عابرة)؛ تزول بانتهاء المواقف أو الأشخاص لأن تفاصيلها لا تشكل أهمية.
2- متوسطة الأمد؛ تنتهي مع الوقت تدريجيًا لأن مواقفها طبيعية معتادة وأشخاصها معارف أو عابرون.
3- ثابتة لا تزول أبدًا بامتداد الدهر وتراها ماثلة أمامك رأي عين؛ لأهمية الأشخاص أو المواقف أو كليهما معًا، وعادة يتذكر أصحابها المحسوسات والمعنويات فيها معًا ولو بتفاصيل مختلفة نحو:
أ – الحزن على فقد صفوة الأحبة: هذا النوع من الحزن لا يموت أبدًا ويتجدد بتجدد أحزان الشخص أو أحزان الآخرين أو ذكرى يوم الرحيل. ولا يبعد أن تعيد الذكريات عند البعض لوعة الفراق وحرارة الحسرة كما كانت لحظة الرحيل.
وما الحنين الذي يعيشه البعض نحو صفوة الأحبة إلا برهان كالشمس على ديمومية الذكرى وعمق الارتباط والألم.
يعرّف البعض الحنين بأنه الشوق المفرط غير الإرادي للقاء الأحبة والتحليق بالخيال نحو ذلك العالم، وعرفه البعض بأن تتخيّل أصوات من تحبهم وتلتفت ثم لا تجد أحدًا.
ب – الحب الحقيقي المقدّس المبني على ثوابت راسخة وقناعة تامة لا ينتهي أبدًا حتى مع الفراق الأبدي؛ وعليه فالتغيرات أو الانقلابات أو الخصومات التي تحدث بين بعض الأصدقاء هي مجرد سقوط للأقنعة وكشف للدور التمثيلي السابق عبر الوقت، وليس لها علاقة بجوهر الحب وقدسيته طرفة عين.
ج- المواقف التي تسبب صدمات نفسية وروحية للإنسان لقسوتها وسطوتها ووجعها تبقى في الذاكرة مؤبدًا مهما حاول صاحبها النسيان والتغافل والصفح؛ كتعدي الابن على والديه أو استغلال البراءات المذبوحة.
د – المواقف الإنسانية الصادقة العفوية؛ كوقوفك مع محتاج أسرفت الحياة بقسوتها عليه وأسدل الفقر سدوله في محيطه رغم اجتهاده واستقامته، أو إنقاذك لضحية التهمتها النيران الطبيعية أو البشرية، أو إنقاذك لغريق جرفه التيار نحو المهالك بشتى أنواعها.
هـ – الجميل أو المعروف يبقى ثابتًا في الذاكرة وإن أخفى عوالمه البعض نكرانًا؛ فالشمس لا تغطى بغربال.
و – ذكريات الطفولة حيث الطهارة والنقاء والجمال الإنساني الفطري.