{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، آية جسّدها الشاب الدكتور محمد عبد الكريم عبدالله الجواد؛ حين أظهر مودته لزوجته زهراء السيد نزار السيد حسين العوامي بطريقة نادرة وتضحية مميّزة فمحمد الذي تقاسم وزوجته حلو الحياة ومرّها، قرر في مبادرة “حب” أن يحوّل حياة شريكته من مرّ آلام الكُلى وأوجاعها إلى حياة سليمة معافاة بعد أن تبرّع لها بكُليته، ليثبت أن رباط الزوجية يعني “أن يتقاسم الزوجان كل شيء”، حتى وإن كان ذلك الشيء جزءًا من الجسد.
منذ الولادة.. لكنها لا تعلم
بدأت حكاية زهراء مع أوجاع الكُلى في عام 2007، بعد أن داهمتها آلام في رجليها، وحين توجهت لمستشفى أرامكو شُخِّصت حالتها بمرض الكُلى المزمن، وذلك بعد خضوعها للتحاليل والفحوصات، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك؛ تشوّه خلقي للكُلى منذ الولادة؛ حيث ولدت بكليتين صغيرتين، لكنها لم تكن تعلم ذلك.
تغيّرت حياة “العوامي”، بعد تشخيص حالتها بمرض الكُلى، فقد بدأت بعلاج يحافظ على ما تبقّى من وظائف الكُلى، وبدأت في الانتباه لطعامها حيث كان لابد لها من الابتعاد عن الأطعمة غير المناسبة لوضعها الصحي.
الأمومة.. تكتب فصلًا جديدًا
تسعة أعوام مضت من عمرها وهي تحاول أن تعقد صلحًا مع مرضها الذي علمت به فجأة، لكنها كأي أنثى كانت تحمل في قلبها الحلم الأكبر لكل فتاة؛ أن تكون أمًا، وتستشعر هذا الإحساس كغيرها، وهنا بدأ فصلًا جديدًا في حكايتها.
تقول “زهراء” لـ«القطيف اليوم»: “منذ عام 2016 تقريبًا بدأت أراجع عند أكثر من طبيب كُلى كي أستشيرهم في موضوع الحمل، لكن أحد الأطباء الذين راجعتهم قال لي: “حرام عليك أن تكوني أمًا”.
تلك العبارة تركت أثرًا في نفسها؛ فأخذت تسأل وتبحث عن طبيب آخر لتستشيره في وضعها.
لا مستحيل مع إرادة الله
مضى عامان حتى قدّر الله لها أن تحظى ببصيص أمل لتحقيق حلمها، وعن ذلك تقول: “في عام 2018 وفّقنا الله في التواصل مع الدكتور السيد أمين أبو الرحي في مستشفى القطيف المركزي”، مضيفة: “حين دخلت عنده وشرحت له وضعي جيدًا؛ تعامل مع قصتي بشكل إنساني جدًا، وقد أعطاني موعدًا وشرح لي ولزوجي كل الاحتمالات التي قد تواجهني أثناء الحمل وبعده، ووضع لي الخطة العلاجية التي سأمشي عليها في حال حدث أي شيء”.
وتمضي في حديثها: “الحمد لله، شاء لي ربي أن أحمل بطفلي، وكنت أتابع بشكل شهري، حتى أنجبت صغيري دون مضاعفات ودون أن أحتاج للغسيل، والفضل يعود بعد الله للدكتور أمين أبو الرحي الذي وقف معنا وكان سببًا في تحقيق أمنيتنا”.
“عزيز” ينير حياتها
في عام 2019 تنورت حياة “زهراء” بقدوم عزيزها الأول “عزيز”، ومن فضل الله أنه جاء بصحة ممتازة كما أن صحتها لم تتأثر بولادته.
عقد صلح
عقدت زهراء مع مرضها عقد صلحٍ تام، بحسب تعبيرها حيث قالت: “لم أكن أعتبر نفسي مريضة أبدًا وقد كنت أعيش حياتي بشكل طبيعي تمامًا، فقد كنت أحافظ على أكلي وأنتظم في أخذ علاجي بشكل يومي كما كنت أتابع ضغط دمي بشكل مستمر، وفيما عدا ذلك فأنا أعتبر أن حياتي كانت طبيعية، حتى في وظيفتي فكنت أعمل بشكل طبيعي أيضًا، كما أن الكثير من أهلي وصديقاتي لم يعرفوا أني مريضة كُلى”.
حلم الأمومة يعود مجددًا
بعد عامين من ولادة طفلها زاورها حلم الأمومة مجددًا، فعادت لتستشير طبيبها “أبو الرحي”، في حال لو أنها أرادت أن تكرر تجربة الحمل مجددًا، لكن حلمها اصطدم بمشكلة جديدة!
تقول: “كانت وظائف الكُلى حينها قد بدأت تقل أكثر وزادت خطورة الحمل لديّ، كنت قد وصلت للمرحلة الرابعة في المرض، والمرحلة الخامسة -لا سمح الله- كانت تعني الغسيل.
الزراعة تظلل مشاعر القلق
عاشت “العوامي” مشاعر القلق وهي تنتظر أن تبدأ الغسيل في أي لحظة، وفي عام 2021 بدأت المتابعة في مستشفى الملك فهد التخصصي، لكنها لم تخضع للغسيل أبدًا، حتى جاء القرار بضرورة أن تخضع لعملية زراعة كُلية؛ كي لا تخوض أوجاع الغسيل.
الأسرة سندها
بمجرد أن ولدت فكرة زراعة كُلية جديدة لها تسابق أفراد عائلتها كلٌّ يحاول أن يهبها كُليته كي تحظى بحياة لا أوجاع فيها، حتى أخواتها أبدين استعدادهن للتبرع، إلا أن أول من بادر لذلك أخوها “السيد حسين”، إلا أن تحاليله كانت غير مناسبة فلم يوفّق للتبرع.
معدنٌ أصيل.. وعائلة أخرى
من بعد الأخ ظهر المعدن الأصيل للزوج، فقد بادر محمد لأن يكون المتبرع لزوجته، ليس ذلك فحسب فقد حظيت “زهراء” بعائلة أخرى حقيقة، فمن عائلة زوجها لم يكن محمد فقط المبادر ليقدم لها إحدى كليتيه؛ بل كان أخوه عبدالله هو الخيار الآخر بعده.
تعلق “العوامي” على موقف زوجها: “بما أن محمد دكتور فقد كان يعرف معاناة الغسيل ومضاعفاته، وكان يقول لي منذ سنوات هذه الجملة: سنعمل زراعة كلية قبل أن تبدئي غسيل إن شاء الله كي لا تعيشي هذه المعاناة أبدًا”.
الحب يخلق التضحيّات
لم يخطر في بال “محمد الجواد” أن يكون متبرعًا بأي من أعضائه قبل مرض زوجته، إلا أن الحب أنجب في داخله مشاعر الإيثار والتضحية، فإن كانت التحاليل غير اللائقة قد وقفت حاجزًا بينها وبين أن يتبرع لها أخوها بكُليته، فإن دوره كشريك حياة محب لابد أن يظهر في هذه اللحظة.
رحلة التبرع
يحكي تفاصيل رحلته مع التبرع بقوله: “كوني طبيبًا فأنا أعرف المعاناة التي يعيشها من يخضع لروتين الغسيل الكلوي، كما أنني أعرف مضاعفاته، لذلك لم أكن أريد لزوجتي أن تصل لتلك المرحلة”.
ويكمل: “مع المتابعات المستمرة في عيادة الكُلى ومع تطور المرض وتدهور وظائف الكُلى لدى زوجتي، ووصولها لمراحل متقدمة من المرض، وبعد استشارة الدكتور السيد أمين أبو الرحي، نصحنا بزراعة الكُلى، كما لا أنسى دور الدكتور باسل نصر الله، فهو من الأطباء الذين شجعونا على الزراعة، قبل الغسيل وكنا على تواصل دائم معه قبل العملية وبعدها”.
ويواصل سرد التفاصيل، قائلًا: “عشت رحلة طويلة إلى أن وصلنا للحظة التبرع، فبعد تعثر تبرُّع أخيها، بدأت أنا بعمل الفحوصات المبدئية في مستشفى القطيف المركزي وبعدها تم تحويلي إلى مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، وخضعت لعمل فحوصات أخرى، كما كانت لديّ متابعات ومواعيد بشكل متكرر لمدة سنتين، حتى تم التواصل معنا وتقرير موعد العملية قبل أسبوع من تاريخها”.
سند وسند
كما كانت “العوامي” تستند على عائلتها وعائلة زوجها في رحلة مرضها، فإن “الجواد” لم يكن أقل حظًا منها في وجود الداعم والمساند له في قرار تبرّعه لزوجته، ومن بين من دعموه يشيد “محمد” بدور أخيه “عبدالله” كسند له في تلك الرحلة.
بُرعُم بقوة شجرة
بين “محمد” و”زهراء” بُرعُم دعم صغير إلا أن أثره كان كظلال شجرة استندا عليها خلال رحلة مرض الأم ونخوة الأب؛ “عزيز” ذلك الطفل الصغير الذي كان سند والديه رغم حداثة سنّه.
تاريخ لن يُنسى
في تاريخ 7 مارس 2023 كُتِب فصل جديد في حياة محمد وزهراء، فهما لم يعودا مجرد زوجين يتقاسمان حلو الحياة ومرّها فحسب، بل أصبحا يتقاسمان كُليتي محمد، بعد أن تمت عملية التبرع بنجاح، وأصبحت زهراء تحمل واحدة وهو يحمل الأخرى.
مضى الآن على عمليتهما قرابة الأسبوعين، وصحتهما قد تحسنت، إلا أن “العوامي” في فترة عزل، وذلك لأنها تخضع لعلاجات مثبطة للمناعة، ومن الممكن أن تستمر لمدة شهور إلى أن يقرر الدكتور انتهاء العزل.
أهداني “حياة”
بعد تلك الرحلة التي ملأتهما مشاعر التعب والقلق والحب والتضحية، تختصر زهراء شعورها تجاه مبادرة زوجها بقولها: “لقد جعلني أعيش وأستشعر المعنى الحقيقي لكلمة “سند”، أهداني حياة جديدة، وأعطاني شيئًا ثمينًا، جزءًا من جسده، لقد وصلنا إلى أسمى مراحلنا في شراكتنا وعلاقتنا الزوجية”.