في وسط العوامية.. عبد الحفيظ نقشبندي يضيء «شمعة» لـ ذوي طيف التوحد

في مهرجان “لنشاركهم” الذي ينظمه نادي ذوي الإعاقة بالمنطقة الشرقية في مشروع وسط العوامية، يقف ذلك الرجل الذي شاء الله أن يكون والدًا لرجل من ذوي الاحتياجات الخاصة من ذوي اضطراب طيف التوحد.

تجربة شخصية عاشها المهندس عبد الحفيظ محمد أحمد النقشبندي بكل معاناتها وقلقها، ممّا أوقد تلك الفكرة في داخله، ألا وهي فكرة التدريب المهني للتوحديين التي أخذت تجول وتصول في أروقة عقله 10 سنوات باحثًا عمّن يدعمها ويخرجها لنور الأمل لهذه الفئة الخاصة التي تحتاج لتمكينها في سوق العمل بالبرامج التدريبية المختلفة التي تتناسب وإمكاناتهم، حتى شرعَ جديًّا في الاهتمام بها اهتمامًا مكثفًا والترويج لها بكل ما أمكنه، حتى جاء مركز شمعة للتدريب، فتبنى فكرته، وكان أن خرجت أكاديمية شمعة للتدريب في ولادة انطلاقها في شهر مايو من عام 2020م أي قبل سنة ونصف من الآن بحي الشاطئ بالدمام؛ لتخدم المنطقة الشرقية بأكملها.

ما الأكاديمية؟
ذكر “النقشبندي” أنّ أكاديمية شمعة للتدريب هي امتداد لمركز شمعة للتوحد الذي يستهدف الأطفال من 3 سنوات وتأهيلهم حتى يستطيعوا الخروج من سجن التوحد ويصبحوا قادرين على الاندماج في المجتمع التعليمي العام، بينما تهتم الأكاديمية بالفئة الأخرى من ذوي الاحتياجات الخاصة من ذوي اضطراب طيف التوحد وذوي الإعاقة الذهنية البسيطة، والتي لا تستطيع الاندماج في المدارس العادية وهي تمثل نسبة 50% من التوحديين الذين ترعاهم أكاديمية شمعة من بعد بلوغهم سن الـ13 عامًا فما فوق، حيث تجري لهم الأكاديمية تقييمًا لحالتهم البدنية والصحية والنفسية والسلوكية والاجتماعية، ويتقرر من خلال الأخيرة المدى للحالة الاجتماعية والاستقلالية والتعاونية وتقبّل الأوامر والإرشادات لديهم.

ما قبل التدريب
وأوضح أنه على ضوء ذلك يعد لهؤلاء الطلبة برنامج ما قبل التدريب المهني؛ لتحسين كل ما ذكر في التقييم، فإذا حدثت الاستجابة وأصبح الطالب التوحدي مستعدًا للتأهيل، يبدأ التأهيل المهني له حيث يتم التعرف على هوايته وميوله كالزراعة والطبخ والكمبيوتر والرسم، ثم تقوم الأكاديمية بالبحث عن صاحب العمل الذي هو بحاجة ورغبة لتوظيف هذه الفئة، حيث يتم تدريبهم في فترة 6 أشهر إلى سنة أو أكثر، وقد تقل مدة التدريب أو تزيد بحسب إمكانات المتدرب، ولا يتم توظيفهم إلا بعد انتهاء التدريب بصورة كاملة، ويراعى خلال التدريب إجراء حالة تقييم مختلفة لكفاءة عمله، منها التقييم الأسبوعي ومنها الشهري ومنها حالة تقييم لما بعد انتهاء كل محور، فالزراعة مثلًا لها 11 محورًا، والطبخ له 14 محورًا، وبعد الانتهاء من التدريب يجد هؤلاء الطلبة المتدربون مجالهم للعمل في الشركات المختلفة المهتمة بتوظيفهم كماكدونالدز وبرج كنج والعديد من الشركات المهتمة بهذه الفئات.

15 متدربًا
وأبان “النقشبندي” أن عدد المتدربين بالمركز 15 متدربًا، تخرج منهم 3 طلاب ومارسوا عملهم المهني، أما الباقون فأحدهم يعمل مساعدًا اختصاصيًا يدرب الأطفال في التدريب ما قبل المهني، وأحدهم يعمل موسيقيًا يقوم بتدريس الموسيقى للأطفال، والثالث يعمل عملًا إداريًا، و3 منهم يزاولون الزراعة، وأحدهم متأهل للعمل في بقالة، وآخر في مقهى.

وأشار إلى أنّه من الخطأ إلحاق التوحديين بمدارس التعليم العام، فمدارس الدمج محبطة جدًا لحالاتهم وتصل بهم لحالة عكسية مع الأسف، فيصلون إلى سن الـ17 أو18 سنة وليس لديهم أدنى إمكانات، أو بإمكانات محدودة.

نوبات غضب
وكشف أن هناك حالات مختلفة بالأكاديمية، وهناك حالات شديدة أيضًا تحتاج لاهتمام وتعليم أكثر، فأحد طلاب الأكاديمية يبلغ من العمر 15 عامًا ويعاني من العنف ونوبات الغضب، منوهًا بأنه مع الأسف 90% من عنف الأهل والسلوكيات غير الصحيحة أو الإهمال من قبل الأهالي هو ما يسبب مثل هذه الحالة، فهذا الطالب يعاني من هذه الحالة بسبب انشغال والده عنه، وعزوف إخوته عن التعامل معه، لكن ما نكّس حالته هو قدوم مولود صغير للعائلة، مما جعله شديد الانفعالية والغضب الخطير.

وأضاف أنه مع التقدم في العمر والوصول إلى مرحلة البلوغ والمراهقة تصبح المسألة أصعب بكثير ولا يمكن السيطرة عليه.

لا تيأسوا
ووجه “النقشبندي” رسالته للأهالي خاصة الذين لديهم أولاد وبنات توحديون فوق الـ18 سنة، معنونًا إياها بـ”لا تيأسوا”، فالأكاديمية أبوابها مفتوحة لأجلهم ولأجل تدريبهم، حيث تعد لهم التقييم المناسب، بدلًا من غلق الأبواب عليهم وسجنهم في بيوتهم وهذا من أكبر المدمرات للتوحديين، وهو فعليًا يُشكّل سجنًا حقيقيًا لهم.

مداخلة
وتحدث عيد الشمري البالغ من العمر 45 سنة وهو طالب توحدي بالأكاديمية، ويعمل حاليًا في الأكاديمية اختصاصيًا توعويًا: وفرت لي الأكاديمية الكثير من الإبداع كما توفرها لغيري من الطلاب، وكشفت لي عن إمكاناتي التي لم أكن أعلمها عن نفسي، فلم يكن لدي مثلاً أدنى ثقة بأنني أستطيع الإمساك بالفرشاة، لكنني الآن أصبحت أساعد الاختصاصيين في التدريب على الرسم؛ لتوضيح مشاعر الطلاب من خلال الرسم.

دعوة
وختم “النقشبندي” حديثه بأن ابنه الذي هو الآن طالب يتدرب في الأكاديمية، وقد تبقى له 3 أشهر لمزاولة العمل، كان هو الدافع والمحرك لفكرة الأكاديمية، لكنه يهتم ذات الاهتمام بأبناء الوطن غيره، فهو يشعر بمعاناتهم ومقدار حاجتهم لمد يد العون.

ونبه أنّ الأكاديمية التي افتتحت من أجلهم تحتاج لتنفيذ برنامج غير رخيص يكلف الطالب الواحد 186 ألفًا للتدريب طوال السنة، حيث يتكفل الأهالي بدفع 100 ألف ريال، والأكاديمية تتكفل بالباقي من خلال الداعمين لها، لكنها في الحقيقة معونات لا تكفي ولا تغطي جميع المتطلبات، فالأكاديمية الآن تعاني عجزًا كبيرًا وصل إلى مبلغ مليون ريال، وإن لم يتم سداد العجز فسيضطرون لغلق الأكاديمية مستقبلًا، موجهًا دعوة خير لوزير العمل ولكل رجال الأعمال في المجتمع للاهتمام بهذه الفئة ليس بالتبرع فحسب، ولكن بتكفل رجال الأعمال بمسؤولية طالب واحد على الأقل لكل واحد منهم؛ لتستمر الأكاديمية في عطائها وعملها، من أجل أن تكون هذه الفئة الخاصة منتجة في وطنها.

يذكر أن المهرجان، الذي يرعاه سمو أمير المنطقة، يقام على مدى 5 أيام؛ خلال الفترة من يوم الأربعاء إلى يوم الأحد 23-27 شعبان 1444هـ، الموافق 15-19 مارس 2023، ويتخلله العديد من الفعاليات المنوّعة؛ بينها الثقافية والصحية والاجتماعية والترفيهية للزوار وأسر الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب العديد من المفاجآت للحضور طوال أيام المهرجان.




error: المحتوي محمي