وفي لحظة تأمل خارجة عن إطار المعقول إلى ضفافه، في “شقلبة” الكلمات، لعلّ البُرهة الدّافئة، تُضيء خلجات الرّوح، قد تستفيق في اللّحظة غير العابرة، التي يتمنى ألا تبزغ في أفق ذاته، كي لا تُتعبه.
إن للذاكرة مفعولها الكبير في حياة الإنسان، لا تخبو أن تكون كالعُكاز، ترسم خُطواتها، تزامنًا مع خُطواته، وهذه الذّاكرة، قد تحمل بين فُصولها الأشهى من السّعادة، وقد تكون فُصولها اللّون الأسود من وشاح الحُزن.
لا يُستطاع الانفكاك عن الذّاكرة مهما اجتهد الإنسان في ذلك، والأسرع في استدعائها، أراه في “اللّقافة”، فإذا واجه الإنسان تدخلًا في حياته، أو تمّت مُمارستها “اللّقافة”، بأيّ شكل من الأشكال معه، تجده لا شُعوريًا، ودون رغبة مُسبقة، يسترجع الذّكريات، ليقُوم بمُعالجة منطقية، ما بين هذا وذاك.
إن “اللّقافة” بمنزلة الدّاء، الذي يُفقد الإنسان حالة الاستقرار الذّاتي، ليمنحها مسافة، هي لغيره منطقيًا، لذا قد يظن وهمًا بأنها الجزء الذي يكون بين يديه، وله أن يُديرها حيث يشاء، ويرغب.
هنا، لم يكن يقرأ رواية أدبية، ليستنتج من درامية أحداثها هذه العلاقة بين “اللّقافة والذّاكرة”، ولكنه ذات صباح، استيقظ من النّوم، بعد تفكير، كان عميقًا، أخذ منه الوقت إلى ساعات الفجر الأولى، وهو يُناقش الطّيف بين عينه، تارة، يُغمض رمشيه، ليعود في اليقظة، يُحدّق مليًا في شيء ماء، لا يُبصره، ولكنه يشعر به.
ارتشف فنجان قهوته الصّباحية، واستغرق في تأملاته، كعادته كلّ صباح، ليهمس في رغوتها: كم نفتقد الإدراك، الذي يجعلنا أن نُفكر قبل أيّ شيء، سنقوم به، أن نضع إلى أنفسنا ثمّة ما يُشبه السّؤال، ومفاده: هل لي الحق في ذلك، أم لا؟
هاتفه النّقال، يدعوه، ليُجيب..
صباح الخير حبيبي ريان، أنا في انتظارك.
صباح الخير حبيبي جواد، الآن..، سآتي إليك.
وما هي إلا دقائق السّلم، ليجده، يبتسم إليه، صعد السيارة بقُربه، انطلقا، ثمّة حلم، ينتظرهما في الضّفة الأخرى من الأمل، ستكتبه الأبجدية عبر اخضرار هذا الرّبيع في الذّاكرة.
سأله ريان..
هل لا زلت، تُريد أن تفقد الذّاكرة؟
نظر إليه بصمت، ثمّ قال:
أظنّ بأنّي لا أستطيع العيش بدونها، الذّاكرة، توأم ظلّي.