سامح واعف واصفح عن الآخرين فأنت على أعتاب الشهر الكريم؛ (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إن من يعفو عن الآخرين شخص متصالح مع ذاته، شخص يمتلك قوة داخلية، قابل بما قسمه الله له من خصائص ومزايا وكذلك من النواقص، يقبلها بكل عيوبها، بضعفها وزلاتها لا يقسو على نفسه ولا يهينها أو يحقرها، ويتفهم أنه لا يوجد شخص بلا عيوب. فهو يعلم حدود إمكانياته.
يركز على الجوانب الإيجابية في ذاته ويعمل على تحسين عيوبه وتطوير نفسة. فهو إنسان مستقر نفسيًا ومطمئن يعيش بهدوء وسلام. متفائل في أغلب الأحوال يتوقع الأفضل والخير دائمًا، يبتعد عن التوقعات السلبية والتشاؤم، حريص على زرع روح التفاؤل والأمل لمن حوله.
شخص لا يحب المشكلات، ولا الخصام أو المشاعر السلبية. يقبل الآخرين بعيوبهم وميزاتهم ومتعاون معهم، غالبًا يحاول تخطى أي أزمة تخصه أو تخص غيره. وعندما يكون الإنسان متصالحًا مع ذاته، يكون أكثر قُدرة على استيعاب الآخرين. وفهم طريقة تفكيرهم، والتأقلم مع ردود أفعالهم، ولذا تجده أكثر حذرًا في التعاطي معهم، وأكثر قدرة على تقييم الأمور وتصنيفها، فالتصالح مع الذات يجعل الإنسان يتخلى عن الهفوات أو الزلّات التي يرتكبها الآخرون، كما لا يلتفت إلى ما لا يعنيه. وحين يصل الإنسان لهذه المرحلة من السُّمو الروحي والنفسي، يضع الأمور في زاوية المسلمات، يعيش السعادة والراحه والسلام ويعلم أن (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
فمسامحة الآخرين والعفو عنهم تقلل من سيطرة تلك المشاعر السلبية على الإنسان وتساعد على التحرُّر من كل ما يعوق راحته النفسية، ومن ثم الوصول إلى السلام الداخلي الذي يدفعه إلى الاستمرار في الحياة بسعادة.
سيطل علينا الشهر الفضيل، ونسأل الله أن يبلّغ جميع المؤمنين صيامه وقيامه والنيل من بركاته وخيراته، ولكي ننال هذه الخيرات والهبات من الله عز وجل علينا برفع الحجب التي تكون حائلًا بيننا وبين تلقي تلك الهبات. الأرزاق المعنوية تتنزل متساوية على جميع البشر ولكن الخلل في المتلقي فكل شخص واستعدادة.
فلا تدع الخلافات والمشاحنات بينك وبين الآخرين تحجب عنك تلقي خيرات الشهر الفضيل. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “بالعفو تستنزل الرحمة”، فرحمة الله في شهر رمضان مضاعفة تشملك دنيا وآخرة إن عفوت وسامحت وصفحت، فأنت أصبحت تملك نفسًا صافية لا رين عليها، لا يحجبها عن تلقي الخيرات أي مانع.
اسع من الآن في ما تبقى من شهر شعبان بالعمل على إصلاح أي خلل في ذاتك ونقِّها وتصالح مع نفسك ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار.
استجلب جميل الأقدار بكرم أخلاقك وجميل صفاتك، وانشر الخير والسلام والمحبة والوئام أينما كنت، استقبل الشهر الكريم بنفس زكية طاهرة تكون بها أكثر قربًا من الله عز وجل لتخرج محملًا بجميل العطايا تسعد بها دنيا وآخرة.