تتباين الآراء حول فكرة التعارف والعلاقة بين الجنسين قبل الدخول في الحياة الزوجية، وبين فكرة الزواج التقليدي وتكوين حالة الانسجام والتقاء المشاعر العاطفية بعد الزواج؟
من يؤيد فكرة العلاقة قبل الزواج ينطلق من الآثار السلبية للزواج التقليدي، فكل من الشاب والفتاة نشأ في بيئة لها أعرافها وتربيتها والتي نسجت معالم شخصيته وصفاته وطريقة تعامله مع الآخر، وبالتالي فإن حسن الاختيار والانتخاب هو المعيار المهم لتحقق الوفاق والتقارب الفكري والوجداني بينهما، وأما الزج -حسب رأيهم- بالشاب والفتاة في علاقة تقليدية تتطلب قدرًا كبيرًا من التفاهم والثقة والنمط الفكري لتسير نحو الاستقرار والتألق فهذا ضرب من الخيال، إذ الفجوة بين تفكيرهما وتربيتهما ستزداد مع كل موقف لا يحسنان التعامل معه بروية ورشد، إلى أن تستفحل المشكلات وتتضخم وتتضاءل مساحة التفاهم والحوار وتنقلب إلى حالة نفرة وصمت، وهذا -في رأيهم- ما يفسر حالات الطلاق المتزايدة في فترة الخطوبة أو في السنة الأولى من الزواج، إذ إنها ليست نهاية مستغربة أمام علاقة محكوم عليها بالفشل بنسبة كبيرة، وبالتالي فإننا نحتاج إلى البحث عن مخرج من هذه العقبة أمام زواج ناجح يحقق السعادة وراحة البال لهما، وهذا المخرج يتمثل في العلاقة المسبقة قبل الزواج والعمل على تحقيق التفاهم والانفتاح الفكري والعاطفي، فإذا ما اطمأنا إلى حدوث حالة التقارب وبدايات الانسجام أقدما على الزواج.
وأما الرأي الآخر فيتمسك بالتفاهم والتوافق بين الشاب والفتاة بعد الزواج، فبخلاف الرأي الفقهي الذي لا يشرع مثل هذه العلاقات القائمة على الحب قبل الزواج فإن هذه الفكرة لا تلقى التأييد بنسبة تامة، فمع وجود حالات لتلك العلاقة المسبقة للزواج فإن منها ما ينتهي بحالات الانفصال، كما أن الطلاق في فترة الخطوبة أو في السنة الأولى من الزواج لا يخضع لعامل واحد بل هناك عوامل متعددة لحدوث خلل في علاقاتهما وأحدها الاختيار الخاطئ، وعادة ما يشوب تلك العلاقات المسبقة سوء الظن وفقدان الثقة بالآخر والتفتيش وراءه في الجوال الخاص به، ولا تزول عن ذاكرتهما أن العلاقة الخفية بينهما تعد تجاوزًا ولعله أقام مثلها من قبل كما أنه لا ضمانة لعدم وجودها بعد الزواج (الخيانة الزوجية)، ومع أي مشكلة أو سوء فهم بسيط بينهما تحضر الملفات القديمة وأهمها أساس العلاقة الخاطئة بينهما، فالفطرة السليمة لا تقبل وجودها والدليل على ذلك أنه لا يقبلها لابنه أو ابنته لو سألته عن ذلك.
والعلاقات المسبقة للزواج لا تقوم على دراسة متأنية وقراءة لشخصية الطرف الآخر، وإنما تقوم على عاطفة عمياء تغض الطرف عن صفات الآخر الإيجابية والسلبية، ومهما رأى من أخطائه فالعاطفة المتوهجة لا تبصرها، كما أن مثل هذه العلاقات قوامها الأحلام الكاذبة والمثالية الزائدة وتطغى الأحاديث الرومانسية، بينما الحياة الزوجية شراكة تقوم على التفاهم والانسجام الفكري والعاطفي، وذلك لمواجهة التحديات والمصاعب والمشكلات التي تواجههما من خلال تبادل وجهات النظر وصولًا للحلول الممكنة والمرضية.
الحياة الزوجية من قال إنها تقوم على اختيار الأهل فقط، بل أهم أسسها أن يحمل الشاب والفتاة ثقافة زوجية تتعلق بكيفية اختيار شريك الحياة والصفات التي يحملها، ولذا شرع الإسلام ما نسميه بالرؤية الشرعية وهي لا تعني النظر للصفات الجسدية لكل واحد منهما، بل هي مساحة للتعرف على شخصية الآخر وطريقة تفكيره ونظرته للحياة وكيفية معالجته لما يمر به سابقًا من أزمات أو إخفاقات، وبعد حسن الاختيار هناك مرحلة الخطوبة والتي خلالها يسعى كل واحد منهما إلى تحقيق التقارب الفكري والانسجام العاطفي والتعرف عن قرب على شخصية الآخر، وتطرح خلالها فكرة الحياة الزوجية القائمة على التفاهم والتسامح والبعد عن الندية السلبية والعناد، فلا يمكن لحياة زوجية أن تستمر بدون الاعتذار عن الخطأ وتقديم التنازلات والتضحيات من الطرفين، وعندما يمر أحدهما بظروف صعبة فيتلقى حينها المساندة والوقوف بجانبه حتى يتجاوز تلك المرحلة، كما أن العلاقة الزوجية لا تقوم على المجاملات ومحاولة إرضاء الآخر على حساب الحقيقة، والتنظيم المالي لميزانية صرفهما والادخار للمستقبل يجنبهما الكثير من الخلافات، وهكذا يتضح أن الزواج الشرعي هو الخيار الصائب مع حمل ثقافة اختيار الزوج وتقديم الرؤية الشرعية بشكل صحيح.