بلغة الإشارة، يمضي سجاد حسين جاسم الحلال، وقته بين أركان فعاليات نادي السلام الترفيهية ببلدة العوامية، دليلًا ومرشدًا لفئة الصم، ليعيشوا مع البقية أجواء الفعاليات، بأهدافها ورسالتها.
يقول “الحلال” القادم من مدينة سيهات بمحافظة القطيف، للمشاركة في الفعاليات، إنه لمس خلال الكثير من المهرجانات، وجود هذه الفئة من الزوار، دون وجود مرشد متخصص يمكنهم من أن يعيشوا الأجواء بشكل صحيح، وهو الأمر الذي دفعه للتطوع ليقترب أكثر منهم بهذه اللغة.
البداية
برغبة خارجة عن المألوف في التواصل مع أصدقائه من فئة الصم دفعته إلى إتقان لغة الإشارة بكل أبعادها، برز شاب محب للمعرفة وشغوف بالاطلاع؛ لم يمنعه عمله كمنسق خدمات عامة بإحدى الشركات، ليرى في لغة الإشارة أنها مستقبله وطموحه ويعبر عنها بقوله إنها لغته الثانية.
وأوضح”الحلال” أنه منذ أيام الطفولة في المرحلة الابتدائية، شاءت الأقدار أن تجمعه بطلاب من فئة الصم، وعن ذلك يقول: “كنت طفلًا حساسًا وفي نفس الوقت كان لدي ذلك الفضول الذي جعلني أرغب بقوة في التواصل معهم والتمكن من فهمهم، وبعدها بدأت مشاعر المحبة والصداقة والانتماء بيني وبينهم في النمو، وبنيت صداقات قوية وكان أعز أصدقائي هم من فئة الصم ويمكنني القول بأنني أعرف كل فئة الصم ممن هم في عمري بمنطقة القطيف، كما أنني ما زلت على علاقة ود بأصدقائي من فئة الصم رغم أن سبل الحياة أخذتنا في اتجاهات مختلفة”.
ويضيف: “لا يوجد فرق بين فئة الصم وفئة السامعين والحمد لله بجهود المملكة ومساعيها استطاعت فئة الصم الحصول على حقوقها والوصول إلى العلم والتخصصات التي يأملونها، فلدي أصدقاء ابتعثتهم المملكة للدراسات العليا في تخصصات مختلفة”.
حلم طفل
يتحدث “الحلال” عن حلمه في طفولته قائلًا: “كنت طفلًا صغيرًا عندما رأيت مشهدًا تمثيليًا على شاشة التلفاز، وكان يُعرض وقتها مسلسل خليجي اسمه “جرح الزمن” وكان في حبكة قصته شخصية شاب أصم جسدها الفنان الراحل “مشاري البلام” وشخصية أخرى هي لدور مترجم لغة إشارة قام بها الدكتور “محمد الرازي” أتذكر لحظتها بكل براءة الطفولة أنه اجتاحت كياني شعور داخلي لتعلم لغة الإشارة ولم أستطع أن أنسى هذا المشهد الذي ظل عالقًا في ذاكرتي، ثم شاءت الأقدار والظروف أن تتحقق هذه الرغبة بشكل أشبه ما يكون بالقدر”.
طباع مشتركة
يرى “الحلال” أن علاقته الوطيدة وشعوره بالانتماء لهذة الفئة من المجتمع جعله يتطبع بطباعهم وتتأثر شخصيته كثيرًا بهم، يقول: “من أكثر الأشياء التي تأثرت بها من فئة الصم وأخذتها منهم هي الصراحة وهو الشئ الذي يمكن أن يعد في مجتمع السامعين ليس بالأمر السهل أو المرغوب. وأيضًا الدقة، واحترام المواعيد والهوس بالترتيب فغالبية الصم يحبون الجلوس في مكان مرتب ومنظمون للغاية”.
الاعتماد
اجتهد “الحلال” في الحصول على دورات عديدة، يقول: “حاولت أن أجمع شهادات معتمدة في لغة الإشارة بحيث تكون متخصصة ومعترف بها خاصة في المصطلحات الطبية والمالية مع العلم بأني لم أكن بحاجة حقيقية لها؛ لكوني متمكنًا ولكن لأصل لهدف أكبر وهو أن أكون مترجم لغة إشارة”.
ويضيف: “رغم الشروط الصارمة والصعبة للانضمام إلى”الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم” فإن الجهود لم تضع سدى فبعد الاختبار الذي كان عبارة عن مقابلة مطولة امتدت ساعات من الحوارات والأحاديث في مجالات متنوعة، حصلت بعدها على مؤهل وبطاقة مترجم لغة إشارة معتمد”.
تعاون
ترجم “الحلال” حبه للعمل التطوعي وخدمة هذه الفئة بالعمل مع جهات عدة منها وزارة الصحة، ووزارة المالية، ووزارة العمل والعديد من الجمعيات الخيرية بالمنطقة التي عمل معها وقدم من خلال قنواتها دورات تدريبية خاصة بلغة الإشارة.
وأشار “الحلال” إلى أن وزارة الصحة استعانت بهم كمترجمين لفئة الصم في أزمة كورونا ووقت اللقاحات للإجابة عن جميع استفساراتهم والتأكد من حصولهم على الخدمة الطبية بكل يسر وطمأنينة، كما أنه عمل مع وزارة المالية أيضًا كمترجم في بعض المحاضرات لوجود موظفين من فئة الصم من ضمن الحاضرين.
نوافذ
استغل “الحلال” وسائل التواصل الاجتماعي كسناب شات بحساب تحت اسم “أنامل تتحدث” وحساب بالتيك توك للتعريف بهذه اللغة وإيصال ثقافة تعلم لغة الإشارة، وعبر عن سعادته بالتفاعل الذي يلقاه، لافتًا إلى أن أغلب المتابعين هم من السيدات والمعلمات، ومضيفًا أن المحتوى الذي يقدمه في تعلم لغة الإشارة يأتي بناءً على طلبات المتابعين وأسئلتهم.
طموح
ولم يتوقف طموح “الحلال” عند هذا الحد؛ إذ هو يطمح إلى أن يدرس لغة الإشارة الدولية لكنه يقول إن الوقت وتكلفة السفر إلى الخارج هي من المعوقات التي تواجهه لكنها لن توقف طموحه.
وذكر أن طموحه الذي يعمل عليه الآن هو نشر ثقافة لغة الإشارة قدر المستطاع وأن يكون له دور واضح في هذا المجال ليترك أثرًا ويعود بالفائدة على المجتمع.