سرد الفنان التشكيلي محمد المصلي مراحل مسيرته الفنية، التي استمرت على مدى أكثر من خمسة عقود زمنية، قسمها إلى 12 محطةً، عبَّر في كل محطة منها عن نقطة تحول في توجهاته الفنية التي بدأت مع مراحل دراسته النظامية، والتي بدأها في مدارس الظهران حيث كانت مقر إقامته وهو طفل مع أسرته، إلى أن انتقل إلى موطن أجداده “جزيرة تاروت” ليتدرج فيها، ويكون أحد رواد الفن التشكيلي والتجديد فيه، ليس على المستوى المحلي فقط، بل تخطى الساحة المحلية إلى العربية والعالمية.
جاء ذلك خلال الجلسة الحوارية للفنان التشكيلي ورئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت” بالدمام محمد المصلي، مع ختام أيام معرضه الشخصي “جزيرة تاروت.. مسيرة وإلهام” يوم الثلاثاء 8 شعبان 1444هـ، والذي توشحت فيه قاعة علوي الخباز للفنون بالقطيف بعرض 56 عملاً فنيًا للطبيعة الصامتة، عاكسًا فيها مناهج المدارس الفنية؛ كالمدرسة السريالية، والتجريدية، والمدرسة التركيبية الحديثة، بالإضافة لعرض بعض المجسمات والمقتنيات من متحفه الشخصي.
وشهدت الجلسة حضورًا نوعيًا لعدد من الفنانين والفنانات بمحافظة القطيف، والمهتمين بالفن التشكيلي، وكذلك ضيافة خالد الثابت رئيس قسم التربية الفنية بالإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية سابقًا، التي وزعها المنظمون خلال الحوار الودي مع الفنان المصلي، والذي قاد دفته الفنان التشكيلي عبد العظيم آل شلي، بالإضافة إلى عرض فيلم تسجيلي، ووقفة تكريم وشكر خاصة من الفنان المصلي للداعمين والمشاركين في تنظيم المعرض.
واستهل الفنان “آل شلي” الجلسة بالترحيب بالحضور، مؤكدًا -في مستهل حديثه- عمق تجربة الفنان المصلي التي تعايش معها، وكان شاهدًا على الكثير من تفاصيلها يرصد خلالها تنقل شغفه الفني بين دهاليز طرقات ديرة تاروت، ونادي الهدى الرياضي بتاروت، والمراحل المدرسية، إلى أن انتقل بفنه للساحة الاجتماعية والمشاركة في تأسيس الجماعات الفنية في محافظة القطيف، مع تجاوز وهج أعماله للعالمية.
تاروت.. إلهام ومسيرة
وحول تسمية معرضه باسم “جزيرة تاروت.. إلهام ومسيرة”، قال الفنان “المصلي” في بدء حديثه: إن السبب وراء هذا الاسم هو انتماؤه لمسقط ولادته جزيرة تاروت، التي ولدت إلهامه الفني، ولم لا فهي ألهمت الكثير من الفنانين والفنانات، بل نثرت ذلك لكل الشعراء والأدباء من أبناء محافظة القطيف وخارجها، مع ما شهدته من حضارات منذ آلاف السنين، فهي الموطن الأصلي للنخلة، مع انبثاق التمدن من أرضها بممارسة سكانها الكثير من المهن من زراعة، وصناعة، وتجارة، وتشييد عمراني من عهد الفينيقيين.
أعمال 5 عقود
وعرج على أعماله التي عرضها في معرض “إلهام ومسيرة” والتي صاغها بفنه المنحوت أو المرسوم بألوان؛ الإكريلك، والباستيل، والألوان المائية والشمعية، والتي كانت قد اختزلت جانبًا بسيطًا من أعماله الفنية خلال أكثر من خمسة عقود.
طموح
وسرد “المصلى” مسيرة أعماله الفنية التي وثقها في 12 مرحلة، بدأها بمرحلة “البدايات” التي كانت بداية ممارسة الرسم، واصفًا إياها بمرحلة التقليد حيث كان يقلد أخاه محسن المصلي، ومع طموحه ليكون له بصمة خاصة بين أقرانه، خلال دراسته الابتدائية في مدارس الظهران فكان يشاهد الفن الحقيقي من خلال عمل والده في أرامكو، إلى أن انتقل بعد الصف الرابع لمدرسة تاروت، موضحًا أن مجموعة أعماله الأولية التي يفتخر بها قد ضاع معظمها، بين “لوحات المدارس” التي رسمها أيام المدرسة الابتدائية والمتوسطة، وأخذها المعلمون للمشاركات، وهناك “رسوم للأصحاب” التي كانت كثيرة، توزعت في دفاتر عند الأصحاب المعجبين بها.
أعمال نادرة
وعدَّ مجموعة أعماله في المعهد المرحلة الثانية، والتي فقدها إلا ما ندر ولديه بعضها، ومعها “لوحات النادي” وتتمثل في الأعمال التي شارك بها في معرض نادي الهدى سنة 1396هـ – 1976م وكلها ضاعت، وبعدها مرحلة “الفنون التطبيقية” التي بدأها مبكرًا بأعمال من خامات البيئة والمجسمات بالعلب والأسلاك وغيرها، وله الآن أعمال من مجسمات الطين، والخشب، والمعادن، وخامات البيئة.
أما الرابعة فأطلق عليها مرحلة “الطبيعة الصامتة” وهي تجربة أكاديمية دقيقة ومتأنية للولوج في تشكيلات تبين مدى الأبعاد والكتل والنسب والتنوع اللوني بإسقاطات النور والظلال، مشيرًا إلى أنه أقام معرضًا خاصًا بالطبيعة الصامتة في كلية المعلمين بالدمام عام 1402هـ – 2002م، ثم مرحلة “البورتريه” التي أنجز فيها مجموعة كبيرة عمل على دراستها في صورة أعمال أكاديمية تؤكد على اتجاهين؛ أحدهما البحث عن السمات شبه البيولوجية، والاتجاه الآخر هو البحث عن تعابير وتفاصيل المؤثرات النفسية ودراستها.
منهج السيريالية
واتجه “المصلي” نحو منهج “السريالية” في مرحلته السادسة بإخراج مجموعة من الأعمال بعضها عفوية والأخرى مقصودة بأفكار لها واقعها، وأعقبها مرحلة “التصاميم” بتصميم عدة مبانٍ متنوعة؛ ومنها مستشفى القطيف المركزي، وتصميم ديكورات مسرحية، مختزلًا في المرحلة الثامنة “ديرتي” الموروث الحضاري والتراث الشعبي لبلدنا.
سلام وحوار
ودعا في المرحلة التاسعة للسلام والحوار عبر إصدار “رسائل سلام” وهي مرحلة تجريدية بفكرة تقدمية عصرية، تلتها المرحلة “المفاهيمية” وقدم فيها مجموعة من الأعمال، شارك بها في عدة معارض وحصلت على المركز الأول في مسابقة المملكة، واصفًا مرحلة “هويتي” بمنظومة القيم التشكيلية الحديثة الجمالية بصياغة للموروث القطيفي، خاتمًا المراحل بـ”جزيرة تاروت” وهو مشروع قديم لرسم معالم جزيرة تاروت وأحداثها من ذاكرته، حيث تبلورت فكرته أيام جائحة كورونا، وأكمل 12 لوحةً ليس لها صور من ذاكرته.
تاريخ مشرف
وصاحب الجلسة عرض فيلم تسجيلي، استعرض فيه كلمات الإشادة بعطاء الفنان محمد المصلي ودوره في الحركة الفنية والاجتماعية، من خلال تأسيس مكتبة فنية، ونشر الفن التشكيلي ورفع الذائقة الفنية، وذلك من جانب شخصيات فنية واجتماعية من محافظة القطيف، والمملكة والوطن العربي؛ حيث بدأت بكلمة رئيس لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية سابقًا علوي الخباز، ثم الدكتور والأستاذ المشارك بجامعة طيبة فؤاد مغربل، وعضو جمعية الفنون بالعراق الفنان مثنى فاتي، وأحد مؤسسي جماعة الفن التشكيلي بالقطيف الفنان زمان جاسم، والفنان المهندس إيهاب ترو من لبنان، ومدير مركز الحرف التراثية بالأحساء المهندس عبد الله الشايب، والفنان عبد اللطيف كرماني من سوريا.
واختتمت الجلسة بتقديم “المصلى” الشكر والامتنان لجميع الحضور، إضافة إلى التكريم الخاص للمنظمين والداعمين الإعلاميين والحضور على جهودهم المبذولة لإنجاح المعرض.