سيرة طالب (٤٧)

نفطر أم لا نفطر؟

بعد ذهابي إلى سلوفاكيا للعلاج، ذهبنا مباشرة إلى مدينة مشهد طلباً للراحة بعد التعب المضني، وتوقاً لتقبيل أعتاب مشهد الإمام الرضا (ع).

وهناك أخبرني أخي صالح أنه في هذه الليلة سنتشرّف بزيارة شخصية علمية، وهو السيد حسين السبزواري، فتهيّأت لاستقبال هذا العالم لذاته، ولمكانة أبيه المرجع الكبير السيد عبدالأعلى السبزواري.

حظينا بزيارته مدّة ربع ساعة بحفاوة وسرور عظيم، وحفرت مجريات هذه الزيارة الخاطفة في ذاكرتي مشاهد وأحاديث لم ولن يطويَها النسيان يوماً ما.

تلك الزيارة ذكّرتني بقصّة كان أبطالها بعض طلبة العلم مع السيد حسين السبزواري، وسأترك لذاكرتي سرد أحداثها وألقي حبل القصة:

كنّا في أيام وجودنا في قم للدراسة أكثر ما نطالع، الكتب الحوزوية المرهقة في فكّ الرموز ودقة المعاني، الأمر الذي يحتم علينا في شهر رمضان أن نسافر إلى مشهد ونتفرّغ للعبادة، ونأخذ قسطًا من الراحة.

في تلك السنة كعادتنا – وأظنّها سنة ١٤٢٩ للهجرة – سافرنا من قم إلى مشهد، وكذلك مجموعة من زملائي، وأيضًا الأستاذ السيد منير الخباز (حفظه الله وأيّده)، وصار في كلّ ليلة جلسة علمية مريحة.

وكان يحضر هذه الجلسة أحد المحترمين من عائلة الحكيم، وعمله سائق، ثم دعا جميع الطلبة القطيفيين، لإفطار رمضاني جماعي، فوافقنا.

في اليوم الثاني اجتمعنا لنصلّي المغرب ثم ننطلق لتلبية دعوة ذلك السائق المحترم، وبالتأكيد كان معنا السيد منير.
ما إن وصلنا هدفنا، فإذا نرى مائدة إفطار جماعي كبير يكفي لمئة شخص على الأقلّ، والذي يقيم هذا الإفطار هو السيد حسين السبزواري.

موقف محرج
أردنا الدخول إلى الحسينية أو المدرسة، فإذا على الباب حارس يمنعنا من الدخول، وسألنا:
– من أنتم؟
– نحن من الطلبة القطيفيين، ونحن مدعوون.
– الدعوة ليست لكم، ارجعوا!.
تحيّرنا، وانقسم الطلبة فريقين: واحد يقول نرجع أدراجنا، والآخر يصرّ على الحارس أننا مدعوون من قبل فلان.

وإذا بالسيد الحكيم يأتي بسرعة خاطفة لإنقاذنا من هذا الموقف المحرج، ويتدارك خطأ الحارس، موجّهاً كلامه إليه:
– أنا الذي عزمتهم، وهم من الطلبة الوجهاء المحترمين.
إذ بالحارس يردّ على السيّد:
– أنتَ غير مدعو أصلاً. ارجع!
واشتعلت شرارة الفتنة بينهما، فكثر اللَّغط وكاد يبدأ الضرب.
فبادر السيد منير أن ننسحب بسرعة.
وإذا بالباب يفتح لغرض معيّن والسيد حسين السبزواري يلوّح من الداخل، ملتفتاً إلينا، وإذا به يخرج ويشير الينا أن ادخلوا، فدخلنا.

وهناك رأينا العراقيين والإيرانيين يفطرون في ساحة ضخمة تدوّي فيها أصوات الملاعق الذي يُزعج الآذان، فإذا بالسيد السبزواري يقول لنا: إن شاء الله تفطرون في مكان خاص.
وذا ما كان بالفعل حين فطرنا في مكتبه الخاص، وفطر سماحته معنا في هذا المكان باحترام وتقدير فائقين.

سيرة ومسيرة
العلامة السيد حسين بن السيد عبدالأعلى الموسوي السبزواري، ولد في النجف الأشرف عام ۱۳۷۰ للهجرة الموافق لعام ١٩٥٠م.
نشأ وترعرع في ظلّ عائلة علمية عريقة، فوالده أحد كبار المراجع المعاصرين.

دخل المدرسة العلوية ثم انخرط في سلك الحوزة العلمية ليحضر عند أبرز علمائها، فممّن حضر لديهم في السطوح العالية:
الشيخ الميرزا جواد التبريزي.
الشيخ صدرا البادكوبي.
الشيخ مجتبى اللنكراني الحاتمي.

ثم انتقل إلى مرحلة البحث الخارج، فحضر عند:
السيد أبو القاسم الخوئي.
والده السيد عبد الأعلى السبزواري.
عمه السيد علي البهشتي.

وبقي في النجف الأشرف إلى أن أُخرج منها مكرهاً، واستقرّ في مشهد المقدّسة ليبدأ تدريس السطح العالي وإقامة صلاة الجماعة في مسجد موسى بن جعفر وتعليم الأحكام الشرعية والمعارف العقائدية، كما ساهم في رفد المشاريع الخيرية.
ومن مؤلفاته:
كتاب بصائر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ١٤مجلّداً.

توفي عن عمر ٧٣ عامًا، ونقل جثمانه من مدينة مشهد الرضا عليه السلام الى مدينة النجف الاشرف.




error: المحتوي محمي