من الجمعة إلى الجمعة.. بلا عنوان

تخنقك الظروف والارتباطات أحيانًا، فلا تجد الوقت الكافي حتى للتفكير في كتابة مادة تستحق النشر للقارىء الكريم.

الثلاثة شهور العربية التي نحن فيها هي شهور فضائل ومناسبات مختلفة تحتم على المرء برمجة ساعات يومه.. يضاف لها الكثير ممن لديه ارتباطات بفعاليات مختلفة بحكم توجهاته ونشاطاته الشخصية المختلفة تجعل وقته محكومًا بها، مستضافًا أو مضيفًا أو داعيًا ومدعوًا، فيكون رهينها ولا ينفك من تلبيتها أو القيام بها وتقديمها على غيرها، مما يجعل فكره ووقته مشغولًا بها كأولوية.

وقد جرت العادة عامةً أن تكون هذه الارتباطات ليلًا بحكم انشغال الغالبية من البشر بأعمالهم وارتباطاتهم العائلية، وهنا يكون الوقت ضيقًا أكثر مهما تمت جدولته.

الكتابة أيًا كانت لا تكون لمجرد الكتابة، سواء للنشر أو خلافه. شعرًا أو نثرًا أو مقالًا أو رواية أو قصة أو خلافه، فهذه لا تأتي بمجرد تناول القلم والمحبرة إذا لم يعمل المرء فكره باستغراق، وتتقاطر الخطرات لديه مما يدفعة للمبادرة بالكتابة دون أن يعكر صفو ذهنه أمرٌ آخر، حتى تتبلور الفكرة وتتضح الصورة عنده.

في العموم يختلف الدافع للكتابة أحيانًا بغض النظر عن ضيق الوقت أو سعته، كأن يفرض حدث ما نفسه فيجد المرء نفسه في وسطه، متفاعلًا بالطريقة والأسلوب الذي ينتهجه ويجيده، وهنا لا بد أن تكسر القاعدة في ترتيب الأولويات ويكون له العذر في ذلك، لأنه سوف يكون رهين اللحظة التي لا فكاك منها.

ربما يظن المرء للحظة أنه يجب عليه التخلي عن بعض الالتزامات لا سيما الشخصية، كأن يكون صاحب مواهب هي من صميم أولوياته، فيضطر لتأجيلها لحساب أمور أخرى، وهنا نقول: يجب التفكير مليًا في نسبة الأهمية بينها وبين غيرها دون بخس. وقبل ذلك التفكير في مدى القدرة التي تمكنه من أداء كل المهام بتمامها، وإلا فإن عليه أن يكون منصفًا ويقرر ما هو الأهم منها ثم المهم تنازليًا، وهكذا.

ذلك نذكره هنا للإنسان الذي تضج حياته بالاشتغال والعطاء، عطفًا على ما يمتلكه من وهج اكتسبه بفضل معرفته بقيمته كإنسان له دور ومكنون يمكن أن يتفجر في أي لحظة ليصنع الحدث والمشروع من العدم إلى الوجود.

الإنسان الحقيقي هو ذلك الذي يجعل نفسه ذات قيمة ومعنى وكينونة مشعة بالعطاء والألق، وأنه ليس مجرد مخلوق يتنفس ويأكل ويشرب وينام ويقضي أيام عمره المقدرة في دورة فاترة وفارغة من المضمون والمعنى ويرحل.

هو ذلك الإنسان الذي فطن فقرر وتعلم وجاهد وناضل خائضًا غمار الحياة فشكلها حيث يريد، وكما أراده الله تعالى له أصلًا، وعرفه به، من أنه إنسان قد انطوى فيه عالم كامل، وما عليه سوى شق طريقه ليكون بالماهية والهيئة التي خلقها الله مظهرًا وجوهرًا، وبما ينعكس مردوده عليه وعلى سواه إيجابًا حين يعبر عن نفسه لتكون جديرة بالحياة والوجود كقيمة معتبرة ودائمة.

وخلافه هو الذي لم يفطن لنفسه ولم يقدرها حق تقديرها، ولم يرشده أحد من الأساس لذلك، فكبر وهو يتصاغر وينحدر حتى وجد ذاته في مكان آخر، بلا هوية، تتسرب حياته من بين يديه ضياعًا وإفلاسًا وأسفًا، وتهدر إنسانيته ليكون مجرد دابة من دواب الأرض يهيم أينما تؤدي به السبل، وإن حاول المقاومة البائسة، والتي لا يملك من أجلها السلاح المانع والمقاوم لحالة اللا هوية التي أصبح عليها.

وقفة:
كل عام وأنتم بخير بأشهر الخير والفضيلة، وجعل الله تعالى أيامكم أيام سعادة وهناء ومحبة.



error: المحتوي محمي