تأخذنا رحى الحياة؛ تعركنا؛ تفتننا؛ تماما كقطعة من الكربون لنتبلور ونُصقل بالتجارب والدروس التي لا تأتي إلا بثمنٍ لابد لنا من دفعه مقدما.
فتتمخض التجارب وإن بدت – لقصورنا البشري قاسية؛ مؤلمة – عن ذواتٍ، أرواحٍ، أشخاصٍ – وإن تعددت المسميات باختلاف جداول العلوم – استثنائيين.
نتعايش كل يومٍ تحت ظل ٢٤ ساعة، ونُولد كل يوم بكرم من الله كي نبذل الخير ونعين إلى ميعادٍ معلوم.
استذكار وجودنا المؤقت في الحياة ناقوسٌ يدعونا أن نُقبِل على الحياة بما فيها؛ وأن نعانق كل لحظة و نستثمرها للخير، و أجمل خيرٍ ما كان فيه عطاء و بذل يُسهم في إعمار الأرض للجيل الناشئ؛ حين يكون المردود الشخصي ثريا بثوابت معنوية و إن قصرت البدائل المادية عن الحضور؛ و لنتذكر دوما لكل مردود قيمة و لاسيما حينما يكون الانسان منفتحا روحاً و عقلا و فكرا؛ و مدركا أن قيمة المردود معتمدةٌ على منظاره الشخصي لتجاربه في الحياة لا لرأي خارجي لم يعش تلك اللحظة أو لم يختبر تجارب متقاربة في الحياة.
الحياة “هبةٌ” وأن نحياها “مسؤولية فردية” و “جماعية” كلٌ حسب دوره الذي يسّره الله له. (تقاعسنا) عن تحمل تلك المسؤولية لن (يُخرجنا) من دائرة (المساءلة) الإلهية أو الفردية، فأن نحيا وحقيقة المُساءلة (شاخصة) أمامنا هو خير (منعش للذاكرة) نستطيع أن نهبه لأنفسنا.
يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: كلما سمت الأهداف كلما طال الطريق، مُضمّنا في كلماته الأثيرة ثمار الصبر وأن قطف الثمر لا يحدث دون غرس البذور وسقي الزرع وتعهده بالرعاية.
يقول تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون) [التوبة:١٠٥]. ما أجمل الاعمال التي يكون هدفها خلّاقا، إنسانيا.
وختاماً، بقدر عطاء الإنسان – يُخلّد وإن غُيِّب جسده تحت الثرى، فيصبح الحاضر الغائب، الذي نسج من حياته مسيرةً للنُبل والإنسانية، وساعد ولو بالقدر الضئيل في ترك بصيص من الأمل لغرسٍ يجعل منه عِمادا للمستقبل، وفَخَراً لكل روح استظلت به فكان ظِلاً وأمناً وقت شدة أو ضيق.