السيدة العجوز!

وقع حادث لسيارة فارهة داخل سوق الخضار المركزي (داخل زنقة المواقف) كانت تقودها امرأة وقد حدث أمام عيني مباشرة إذ لاحظتها في البداية كيف كانت تقود سيارتها بهدوء وتمهّل، عرفت أنها تفتش عن خرم إبرة لسيارتها في مكان لا يمكن لذهنك أن يغيب لحظة وإلا فستكون المفاجأة غير سارّة، وبينما هي تفتش تفاجأَتْ هذه السيدة بسيارة أخرى كانت تحاول أن ترجع للخلف فكي تتفاداها اندفعت للأمام بشكل سريع وغريب وكأنما شد عضلي أصاب عضلة ساقها جعلها تضغط على البنزين بكل قوتها! المهم أنها في اندفاعها القوي للأمام ارتطمت بسيارة أخرى كانت تنتظرها في المقابل، فصدر صوت قوي وانبعث الدخان من كبوتي السيارتين واقترب الجمهور الكريم الذي يعشق الفرجة للاطمئنان على السيدة وإذا هي محشورة بوسادة الأمان الذي التصق بوجهها فأعاقها عن إخراج جسدها الهزيل فخفنا عليها من الاختناق وطلبنا منها التصرف بهدوء والخروج بسرعة وبالفعل خرجت ولكن بصعوبة، والحمد لله لم يصبها شيء وأجلسناها على أحد الأرصفة لتستريح وأحضرنا لها كوبًا من الماء لتهدّئ من روعها وتم الاتصال بشركة نجم لاتخاذ الإجراءات النظامية.

الغريب في كل ما حدث ليس في الحادث نفسه إنما في السيدة وبعدما ترجّلت من سيارتها الفخمة الأنيقة كان الجميع يتوقع إطلالة السيدة الجميلة ولكن ما كان عكس التوقعات فالتي ترجّلت هي سيدة عجوز تخطّى عمرها الثمانين وبدى ذلك من خلال مشيتها والتجاعيد المحفورة على وجهها وعظام يديها، الحقيقة لم أستغرب مما حدث فالحوادث في منطقتنا مسلسل يومي ولكن أزعجني إقحام هذه السيدة العجوز نفسها في هذا السوق الذي يغص بكثرة السيارات ويشهد إقبالًا كثيفًا من أبناء المنطقة فضلًا عن روّادها من الخارج، وانتقادي لهذه السيدة العجوز ليس في عدم مقدرتها على السياقة فربما هي أفضل مني ومؤهلة وقائدة ماهرة في الشوارع الواسعة والأماكن الفسيحة ولكن من الصعوبة جدًا عليها التنقل في عمق الأسواق العامة الذي يتطلب منها التركيز والانتباه فضلًا عن البحث المضني والدوران ساعة للعثور على موقف فارغ تركن سيارتها فيه.

كان بإمكانها أن تشتري سلامتها وتجنّب نفسها عناء الدخول في هذه الأماكن الحرجة وتبحث لها عن موقف خارج السوق حتى لو كان بعيدًا وتأتي مشيًا على قدميها للتبضع والاستعانة فيما بعد بعربة عامل بالأجرة تنقل بها أغراضها إلى حيث سيارتها، وبارك الله وسلّم.

نتفق جميعًا أن السماح بقيادة المرأة للسيارة قرار حكيم وساعدها كثيرًا في قضاء مشاويرها الخاصة ووفر لها الخصوصية وربما وفّرت الكثير من المال الذي كانت تصرفه على سيارات التاكسي، ولكن ما زالت المرأة تحتاج في ظل الازدحام المتزايد بالشوارع للتمرّس والخبرة الكافية للتعامل مع مختلف الظروف خصوصًا عند قطع المسافات الطويلة والدخول في الأماكن المزدحمة ناهيك عن طبيعة وثقافة مستخدمي الطريق الذين لا يزالون – حسبما أرى – لا ولم يتعاونوا مع المرأة حتى الآن مما جعلها تعاني كثيرًا وهي تقود سيارتها في ثقافة مجتمع لا يزال يرى نفسه ذكوريًا محضًا.



error: المحتوي محمي