ربما رسمتَ صورة ذهنية وأنتَ تقرأ هذه الأحداث الفعلية من أقدس بقعة في العالم حيث مقام إبراهيم على يميني والكعبة المشرّفة بمحاذاة كتفي الأيسر، هي ليلة الجمعة حيثُ كنتُ أسمعُ إيقاع شهيقي وزفيري أثناء الطواف حول الكعبة، في عمرة رجبية تشبه الحج في ازدحامها، وتُحاكي يوم المحشر في احتشاد الجموع القادمة من كلّ فجّ عميق. يعلوها صوت الملبين، تنصت فلا تسمع سوى تضرعات المؤمنين التي تصعد للسماء
في سباق خاضته الأرجل، كانت صديقتي بجانبي عندما لاحظتْ سقوط جميع متعلقاتها أثناء الطواف التي ضمتهم حقيبة صغيرة حوت هاتفها النّقال ونقودها وأشياء أخرى، أدركتُ على الفور أنه من الصعوبة بمكان أن نرى الحقيبة مرة أخرى.
عندما أخبرتني كانت حزينة جدًا، لكنها كانت تمتلك من الأمل ما يسع تلك السماء التي تعلونا، أكملنا ما تبقى لنا من الطواف حيث كنا في بدايته، وبهدوء اتجهنا صوب المقام لنصلي صلاة الطواف.
كانت صديقتي تناجي ربها ونحن في ليلة الجمعة وأبواب السماء المفتوحة وبحفنة من الكلمات المضمّخة بطيب الرجاء اعتقدتْ صديقتي أن حقيبتها الإحرامية المفقودة قد تدحرجت ووصلت خلف المقام فقامت تبحث عنها.
لقد اندهشتُ من حسن ظنها بالله تعالى وكنت انتظر عودتها بفارغ الصبر، تابعتُ خطواتها عندما انصرفتْ، واختفتْ في طوفان الناس إلا أنني سرعان ما لمحتُ حقيبتها قبل أن أراها، أقبلتْ مستبشرة وهي تحمل بين يديها حقيبتها وأنا بين دهشة مُصدّقة لما أرى أو مُكذبة. يخالجني الشّك واليقين.
هو يوم لم يكن كأيّ يومٍ آخر، شمس المستحيل باتت على المغيب. وربما كان الفارق بين المستحيل والممكن خطوة واحدة، فلا مُستحيل مع دعاء المؤمن الصاعد للسماء دون حواجز مانعة، وبلحظات زمنية تصل أمنياتك في لمحة طرْف.
تذكّرت في هذه اللحظة أنّ عينايّ يجب أن تكون على الطريق لله تعالى، وبإرادة غير مشلولة سوف أجتهد لأصل للنهاية دون أن أحطم برجليّ حقوق أحدٍ، أو أمضي دون أن أنتبه أنه يوجد خلفي من يرفع يده شاكيًا إياي عند الله تعالى.
اغتنمْ ساعاتك الطويلة لأنّها فرصة لن تتكرر، ولا تيأس مما عند الله تعالى فخزائنه تكفي عباده جميعهم.