السيد الخباز: الطلاق العاطفي بين الزوجين مشكلة تعصف بالأسرة

ذكر سماحة السيد مجاهد الخباز أن بعض المختصين حذروا من انقطاع التواصل والحوار بين الزوجين، حتى يصبح كل منهما أمام خيارين، أحلاهما مر، فإما الطلاق الشرعي إلى غير رجعة، أو ما يسمى «الطلاق العاطفي» الذي يعد أكثر أنواع الطلاق خطورة، وأشدها على الأسرة.

واستشهد سماحته في حديثه بالآية الكريمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وفي بيان حقيقة الطلاق العاطفي بين الزوجين وعلاماته أوضح أن الحديث يقع في زوايا: الأولى: أسماء الطلاق العاطفي المتعددة عند أهل الاختصاص: إن الباحثين والمهتمين في هذا الموضوع الشائك أعني الطلاق العاطفي قد ذكروا له مجموعة أسماء هي بمعنى واحد ومشكلة محددة لا تختلف، فإن بعضهم يسميه: النفسي، الانفعالي، الصامت، الجفاف العاطفي، غير الرسمي، فهذه أسماء متعددة لنفس الموضوع والمشكلة، فإنك حينما تريد البحث عن هذا الموضوع ضع في ذهنك أن الباحثين سيختلفون في التسمية ولكن الموضوع والمشكلة واحدة.

وأضاف بأن المسألة الثانية: هل الطلاق العاطفي طلاق شرعي؟، وقال:” إن الطلاق العاطفي ليس طلاقاً شرعياً، ليس طلاقاً فقهياً فالزوج لم يقم بالطلاق الشرعي أعني الإتيان بالصيغة (طالق) بالشروط التي يذكرها الفقهاء، لم يقل لزوجته طالق بالشروط، لا، فإن الزوجين الذين يعيشان الطلاق العاطفي زوجان من الناحية الشرعية والفقهية إلا أن طلاقهما العاطفي بمعنى انفصالهما من الناحية العاطفية،ولذلك وجدت بعض الفضلاء يتحفظ من هذا العنوان أي الطلاق العاطفي لأنه يوهم أنه بمعنى الانفصال الشرعي إلا أنني أقول إنه اصطلاح ولا ينبغي التدقيق في هذا الشأن وإنما المهم هو التركيز على المراد من الطلاق العاطفي.

وفي المسألة الثالثة: قال:” ما هو الطلاق العاطفي، سوف أطرح لكم بعض ما يقوله أهل التخصص لنتعرف على المراد من الطلاق العاطفي: أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر بغزة د. أسامة حمدونة يعرف الطلاق العاطفي: بأنه حالة من الغياب لمشاعر الحب والعاطفة بشكل عام بين الزوجين، فالزوجان يبقيان على عقد الزواج ويعيشان في ذات البيت لكنهما منفصلان في المشاعر والأحاسيس والعلاقات الإنسانية”.

وتابع في ذات المسألة:”الباحث القطيفي حسين آل ناصر، اختصاصي نفسي، ماجستير علم النفس الإكلينيكي يعرف الطلاق العاطفي: الطلاق العاطفي هو الانفصال بين الزوجين في المشاعر والعواطف بحيث يشعر كل واحد أنه على حدة ولا علاقة له بالآخر.

ونوه إلى أن الطلاق العاطفي، يظهر بين الزوجين، عندما يغيب الحب، والتفاهم، والانسجام، والاهتمام المتبادل، والثقة، والرغبة الحقيقية في البقاء معاً، فتدخل الحياة الزوجية في حالة موت سريري، يختفي فيها الشعور بالأمان الذي يمثل الركيزة الأساسية لنجاحها واستمرارها، ويسكن الصمت في كل زوايا الحديث الذي كان عامراً ذات يوم بينهما.

وذكر أن الطلاق العاطفي يحدث عندما يعيش الزوجان أو الشريكان منفصلين عاطفياً من دون تفاعل مع أنهما تحت سقف واحد.

وفي تصنيف أنواع الطلاق العاطفي ذكر أن المحللين النفسيين يميزون بين نوعين من الطلاق العاطفي: النوع الأول: حينما يكون هذا الطلاق صادرا عن وعي وإرادة الطرفين في العلاقة الزوجية وبعلمهما الكامل، والنوع الآخر: أن يكون الطلاق النفسي قائما من أحد الطرفين فقط دون علم أو وعي الشريك، والذي يتمثل بشعور الطرف الأول بعدم الرضا لاستمرار علاقته مع شريكه الأسري لكنه يقاوم هذا الشعور ويكبته خشية الوقوع في براثن الطلاق.

وأكد أن النوع الأخير غالبا ما تكون فيه المرأة هي الطرف الواعي لحالة الطلاق العاطفي دون علم أو إدراك زوجها.

وعن كيف يحصل الطلاق العاطفي بين الزوجين؟ قال:”يذكر بعض الباحثين أن الزوجين يمران بمراحل حتى يحصل بينهما الطلاق العاطفي:أ-مرحلة الصدمة: وهي التي تحصل حينما يواجه الزوجان وجود عيوب أو نقائص في الطرف الآخر لا يقبل أن تكون في شريك حياته.

وتابع:”ب-مرحلة الغيظ: إذا لم تتم معالجة المرحلة السابقة بالمصارحة أو المواجهة فإنها تتنامى لتصبح غيظاً. وعند ذلك لن تشعر بالانزعاج فقط بل ستشعر بالغضب وفوران الدم من الطرف الآخر على شكل غيظ. فتبدأ بالانفعال عليه وخلق حاجز يفصلك عنه، ج-الرفض: عند هذه النقطة يكون الغيظ قد تنامى لديك وتعدد على شكل مواقف يومية أو اسبوعية، ثم تجد نفسك تبحث عن طرق تخطّئ فيها الطرف الآخر، وستجد نفسك تتطور لمهاجمته إما لفظيا أو عملياً، وفي هذه المرحلة تبدأ ترى أي تصرف من الطرف الآخر تصرفاً مزعجاً يثير السخط.

وأضاف:” د-الكبت: عندما تتعب من الهجوم على الطرف الآخر في المرحلة السابقة ومع مرور الزمن والشهور ونحن على تلك الحالة المزعجة من الرفض، فإنك تحاول أن تخفف من ألمك بخلق حالة (طلاق عاطفي) فإنك تريد أن تتجنب الشعور بأي ألم أو إثارة أو استفزاز تجاه الطرف الآخر لذلك تنفصل عنه عاطفيا حتى لا تشعر بالتعب اليومي، وبلغتنا العامية، يقول مثلاً الزوج أنا ازهقت كل يوم مشاكل كل يوم حنة ما ليي إلا أحقرها ولا أكلمها حتى أرتاح وكذلك تقول الزوجة إذا واجهت المشاكل من الزوج”.

واستعرض علامات وجود الطلاق العاطفي بين الزوجين: أ-غياب الحوار بين الزوجين، ويتفرع منه: الحقران، سرعة الغضب والضيق في الحوارات العادية وعدم الرغبة في إكمال النقاش. ب-الانفصال المكاني بين الزوجين، ج-جفاف العلاقة الحميمة، د-تعمد إيذاء الآخر.

وفي أخطار الطلاق العاطفي بين الزوجين، ذكر أن الحديث فيه يقع في زوايا: الأولى: في أي مرحلة من الحياة الزوجية يمكن أن يقع الطلاق العاطفي
إن الطلاق العاطفي يمكن أن يقع منذ الأيام الأولى من الزواج، فالبرود العاطفي والتباعد يمكن أن يقع منذ بداية الحياة الزوجية ولكن الغالب أن تقع بعد مدة ذكرها الباحثون.

واستشهد بإشارة الأكاديمية فاطمة طه الفرج من القطيف، المتخصصة في علم الاجتماع الإكلينيكي أنه يكون غالباً بين من مضى على زواجهم عشرات السنين.هذا الغالب ولكن قد يكون مبكرا كما ذكرنا.

وتابع: الثانية: لماذا لا ينفصل الزوجان بالطلاق الشرعي مع كل هذا التباعد؟، وهنا أسباب: أ-عدم توفر المكان البديل للزوجة لو انفصلت عن زوجها لذلك تضطر أن تعيش معه في تباعد عاطفي ولا تتطلق، ب-الخوف على الأولاد من الضياع والتشتت، ج-الخوف من نظرة الناس، ولعلها تخاف التعيير حتى من أهلها، د-تخاف من مواجهة الأسوأ، فهي تعرف مصيرها أن تبقى وحيدة وقد تكون بلا معيل، فهي تدفع الأسوأ بالسيئ، هــ-تخشى أن يتزوج عليها بعد الطلاق وقد يكون العكس، خلني قاعدة على قلبه.

وأضاف: الثالثة: أخطار الطلاق العاطفي وهي أنواع:أ-الأخطار على الزوجين:
1-الضغط النفسي الكبير الذي يجعل الطرفين في ضيق شديد وهذا يزداد كلما اتسعت مدة التباعد العاطفي بين الزوجين ولعله يتسبب في الأمراض الجسدية والنفسية، 2-حرمان كل طرف من بداية حياة جديدة حتى تكون سعيداً، 3-العنف وهنا أفصل قليلا، فالعنف نوعان: الجسدي فقد يصل بالطرفين إلى إيذاء الآخر جسدياً، التعاملي ومنه كثرة الصراخ على الآخر وإيذاءه بالسباب والشتائم، -ب الأخطار على الأولاد: فقدان التركيز ومنها التأخر الدراسي، في غياب البيت الطبيعي المترع بالحب والتفاهم ينشأ الأطفال نشأة غير سوية، ويصبحون أكثر عرضة للأمراض النفسية كانفصام الشخصية وفقدان الثقة بالذات والعجز عن اتخاذ القرارات المناسبة، النظرة السلبية عن الزواج، فقدان الثقة بالوالدين وقد يكرهونهم لأنهم السبب في هذا التعب النفسي الذي يعيشونه بسبب الانفصال العاطفي بين الأبوين.

وقال: النقطة الثالثة: في أسباب الطلاق العاطفي بين الزوجين يذكر الباحثون مجموعة من الأسباب: أ-فقدان التخطيط للزواج: غياب الوعي بطبيعة الزواج ومسؤولياته، عدم الدقة في اختيار شريك الحياة، التفاوت الاقتصادي، التفاوت الفكري، التفاوت الاجتماعي، ب-إشكالية الحوار بينهما -غياب الحوار بينهما، أشارت الدكتورة منيرة الرميحي-أستاذ علم الاجتماع -إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في انتشار الطلاق النفسي بين الأزواج، -أسلوب الحوار بينهما ذكر خليفة المحرزي الباحث الاجتماعي أن 94% من الخلافات النفسية بين الزوجين ترجع إلى أسلوب الحوار بينهما، منبهًا على أهمية فهم مشاعر الطرف الآخر، ج-انعدام المشاعر
ذكر الدكتور أحمد صابر الشركسي، أستاذ علم النفس والإرشاد والعلاج النفسي المشارك بكلية التربية جامعة الدمام أن نجاح العلاقة الزوجية يتوقف على عدة عوامل أساسها أن يشعر كلاهما أنه سكن للآخر، وبالتالي يجمعهما الشعور بالأمان والاطمئنان من خلال حسن العشرة والمودة والرحمة التي تجمع بينهما، ملمحاً إلى أن 70%، من حالات الانفصال تنتج بسبب معاناة الزوجين من انعدام المشاعر وعدم تعبير أي منهما بعواطفه للطرف الآخر، وبين أنه على الرغم من وجود ما بين 7 إلى 9 زوجات من أصل عشرة يعانين من صمت الأزواج، إلا أن الحياة الزوجية تستمر بين الزوجين؛ حفاظا على مشاعر الأبناء، وعدم تأثر صحتهم النفسية أو الخوف من الظهور بالشكل الاجتماعي غير المناسب في محيطهم الذي يعيشون فيه أو نتيجة لعدم وجود بدائل أخرى أمام الزوجة، كعدم وجود من يعولها أو دخل مادي مستقل يشجعها على الانفصال، وهناك حالات كثيرة بهذا الشكل.

وأضاف: د-رفض التغيير
قد يشارك أحد طرفي العلاقة الزوجية الآخر بالتعبير عن مخاوفه حول ما قد يصيب علاقتهم من مشاكل وأنهم قد يكونوا في غنى عنها لو حدث بعض التغيير، ويبدأ في عرض ما يتعارض مع حياتهم من خصال سلبية يجب أن تتغير لتستمر الحياة بشكل سليم، وبالرغم من مساعيه للإنقاذ إلا أن الطرف الآخر يقابل ذلك باللامبالاة وعدم التجاوب، هـ-الاستهانة بالمشكلة، يحدث أن يعي كل من الطرفين ببدء حدوث الفجوة في العلاقة دون محاولات لحل المشكلة ولوضع أسس جديدة لإنقاذ الحياة بينهما، وفي كثير من الأحيان قد يجتهد طرف دون الآخر للأمر ويتداركه ويبدأ في عرض المشكلة لكن دون استجابة من شريكه، فعلى كل طرف أن يهتم ويصغي لمحاولات الطرف الآخر لإنقاذ الحياة بينهم، ومساعدته في ذلك، و-المثلث المدمر للعلاقة الزوجية، أضلاعه الملل والفراغ والروتين، فبسببها تفقد الحياة الزوجية رونقها وتجددها وتصبح هشة ضعيفة بلا روح وهو أول الخطوات في طريق الطلاق النفسي، فعلى الزوجين تجديد العلاقة بين الحين والآخر وإعطاء مساحة كافية لحدوث تغيير.

وتابع: ز-تدني المستوى الاقتصادي وهو يجعل كلا الزوجين مشغولين بكيفية توفير لقمة العيش الذي يؤدي إلى جمود المشاعر تدريجياً، ح-اهتمام الزوجة بالأولاد وإهمال الزوج
فالزوج بحثاً عن المشاعر طفل صغير قد يتمارض أحيانا للحصول على حنان الزوجة، ط-مشكلة عدم الإنجاب تجعلهما في توتر وقلق وقد تسبب بالتباعد العاطفي أحياناً حين اليأس والعياذ بالله، ي-إهمال الفراش
تذكر بعض الدراسات العلمية: الانقطاع عن العلاقة الزوجية وعدم ممارستها يسبب الاكتئاب والاضطرابات النفسية، حيث أن العلاقة الزوجية تساهم في إفراز الهرمونات التي تخفف من الضغوط والمشاكل النفسية.

واستعرض مجموعة من قواعد علاج الطلاق العاطفي بين الزوجين، وهي: أ-التثقيف بالطرق التي تساعد في الانسجام العاطفي، اقترحت الأكاديمية فاطمة طه الفرج، المتخصصة في علم الاجتماع الإكلينيكي إخضاع الراغبين في الزواج لكورس تعليمي، مدته ثلاثة أشهر، في مجال فنون العلاقات الزوجية، ملمحة إلى تطبيق ذلك في ماليزيا حيث كانت نسبة الطلاق 70 % فيما تقلصت حاليا إلى 5 %، داعية المسؤولين، كما أنهم وضعوا قانون الكشف عن الأمراض الوراثية بين الزوجين قبل الزواج، أن يسنوا قانونًا يعنى بأخذ «كورس تعليمي»، في فنون العلاقات الزوجية لكل المتقدمين للزواج، لتفادي الوقوع في الطلاق العاطفي، وما يخلفه من آثار سلبية، يتلظى المجتمع من ويلاتها.

وختم: ب-تغذية المشاعر ومنها:التعامل مع الخجل الذي قد يعيق إيصال المشاعر، التعبير عن المشاعر بالكلمة وباللمسة الحانية وغيرها، مناقشة الاهتمامات، الهوايات، المدح للمظهر، للملابس، للمكياج، تسمية الطرف الآخر بما يحب ، عدم الانشغال بعد الإنجاب، نوم الأولاد في أماكنهم، العلاقة الحميمة بانتظام.ج-لا تأجيل حين حصول المشكل بالحوار الهادئ والاتفاق على العلاج، إغلاق الملف، صناعة كسر الروتين، الخروج للتنزه، محاولة الابتعاد بين الفترة إلى الأخرى لتجديد الشوق.


error: المحتوي محمي