لَعلّ أبسط تَعريفٍ “للتشاؤم” المُحبِط، والذي يَطفو مُتبقّي قَوام خَامتهِ الرمِيم، في سَنامِ ناصِيةِ مُخيّلتِي المُتيقّظة: هو حَالةٌ مُتوتّرةٌ نَفسِيةٌ، غير مُنتظِمةٍ أَو سَوِيةٍ… غِذاؤها اليأس والإبلَاس؛ وكِساؤها القَلق والتوتّر؛ ودِثارُها نَسيجٌ بالٍ مُتَهالِك مِن نَسجِ المِزاج السودَاوِي العَكِر، وأنفاسٍ خَائرةٍ مِن فَيضِ سَحنَةِ الكآبةِ المُتكدّرةِ؛ ورَيْعِ مَرذولٍ مِن نِتاجِ مُخرجَاتِه الواهِنة الصاغِرة؛ يَتصدّرُ شُحًا، بضِيقِ النفْسِ؛ ويتَصعّدُ قَتَرًا، بتأزّقِ النفَسِ… تلك القائمة الحُبلى مِن فَرطِ مُتلازِمةِ ظاهِر الأَعْراضِ النفسيةِ الرتِيبَةِ المُؤرّقَةِ، لَا بُدّ لَها مِن البحثِ المُتسرّع عَن خُطّةِ حَلٍ مُتدرّجٍ نَاجِعٍ، ينتشِلُ الفردَ المُتشائم، بأَيدٍ رَحِيمةٍ وِدّيةٍ، وهَمسات حَنانٍ حَكِيمةٍ حَلَيمةٍ، مِن وَحْلِ حَالةِ تَفاقُمٍ وتَعاظُمٍ، مِن هَجمةِ نَوبةِ لَسْعِ الأَعراضِ المُتكرّرةِ المُتجدّدة، إلى رَحِيبِ مَرافئ دِفء أحضانِ مُعدّلاتِ أفقِ التحرّر النّفسي والوِجداني؛ في حَاضِر لحظةِ تأمّلٍ ذاتي؛ لِينهجَ ويَسلُك مِزاجُ الفردِ المتشائمِ نَفسِه نَهجًا سَويًا مُتعافِيًا، يَستلّ مِن مَنهلِه العَذب؛ ويَستهلّ في مَسارِه المتّسع السّهل، إعادة تَحريكِ وضَبطِ عَدَساتِ مِجهَرٍ إلكترونيٍ ضَوئيٍ مَاسِحٍ، بنَفرةِ مَجهودٍ تأمّليٍ ذاتيٍ؛ ليَرَى الفردُ “المُعتل” بتَعافٍ وتَشافٍ تَامّيْن- مِن جَديد- مُحدّدات مَشاهِد ناهِضةٍ شَاخِصةٍ بحَقيقةِ مَنظومةِ ظَواهرِ أشكالِها المَكشوفَة؛ ويَتأمّلها مَلِيًا، بمَسطُورِ خَفايَا بَواطِنِ ألبابِها المُستَتِرَة؛ ويُبصرُها ذَاتيًا، بكامِل مَحطّ أبعادِها الثلاثِيةِ الثابتةِ، جُملةً وتَفصِيلًا… !
وهُنَاك جُملةٌ مِن الأَسباب العلمية، تُعزّز وتُرسّخ بعُمق مَعيّتِها المُتداخِلة الساحِبة، استمرارية “اجترَار” قائمةٍ مُتجدّدةٍ بِكر، مِن نَسقٍ مُتفاقمٍ مِن “رِزم وحُزم” سِلَال الأفكار السوداوية السلبية… ومِثلها، بقايا أنوَاء عَقِيمة المنبَتِ، ورَدِيئة الأَصلِ؛ نبتَت وترَعرعَت، باعتلال نَصلِها المِعوِجّ الملحُوظ، في حُضُور لَحظات اللاوَعي؛ لَيتقمّصها الفردُ الغارقُ في أحلامِ يَقظتِه المُشوّشَة؛ وفي قَرارِ ثَنايا عَقلِه اللّاواعِي خاصّة، في طَورَ الفُتوّة، ومَا بعدَه؛ وقد يَمتدّ أثرُها المَلحوظ إلى مُرحلةٍ مُتقدّمةٍ مِن سِنّ الشيخُوخَة… ولَعلّ الشخصَ المعتل نَفسِيًا، قد تقمّص بتلقائيةٍ طَلِقةٍ، “نكهة” ذلك المِزاج السودَاوِي استهواءً وتقمّصًا، مِن الوالدين مَعًا، أو مِن أحدِهما، مِمّن كان أحدَ “ضَحايا” تلك المَصيدَة السلوكِية النفسِية، إنْ صَحّ التعبير…! عَلاوَة على ذلك، هُناك سِلسِلةٌ طَويلةٌ مِن قائمةٍ، مِنِ أرذَل المُسبّبات، تَطُولُ حَلقاتُها الصّدِأة البائسة أهمها: نَوبات الشكّ الوَهمِي؛ وهَجمات القلق الذاتي؛ وصَرْعات الظّن الوِسوَاسِي؛ وحَالَات الاكتَئابُ القَسرِي؛ ولَوثاتِ الرّهابِ الاجتماعي؛ وتَداعِياتِ الخوف النفسي؛ ونزعَات “جَلدِ الذّات” وهبّاتٍ عّاصفةٍ مْماثِلةٍ، مِن نَارلةِ أزمةِ الذّعرِ والتذمّر المُسيطِرةِ “الفُوبيا”… !
وهُنالكَ سَيلٌ جَارفٌ مِن مَوجَاتٍ عَارمةٍ مِن “عَقلِية” أُفُق التشاؤم الاجتماعي العام- كَما في مَثيلاتِها التوأم في بُطُون الثقافات الأُخرَى- التي عَمّت وشَمِلت سُكّان وقَبائل الجزيرة العربية عَامّة، في غابِر الزمن: كالتشاؤم والتطيّر بأنواعٍ مُعيّنةٍ مِن مَملكةِ الحيوانات: كالثعلب، والبُوم، والغُراب… ظَنًا مِنهم أنّ مُصادفةَ رُؤيتها في طَريق سَفرِهم؛ وفي مِشوَار تنقّلِهم، طَالِع شُؤمٍ، ونَذِيرِ طِيرَةٍ… ولعلّ الحياةَ المُعاصِرة، بمَا فيها مِن تَصعِيدٍ في أنساقِ مَنظُومةِ تَعقيداتٍ مُتنامِيةٍ؛ ونُظُمِ مُستجدّاتٍ ناشِئةٍ شَتّى؛ ومَا تكتَنِفه لِزامًا، أمُور المُتشائمِين مِن مَخاوِفَ مُستقبليةٍ غَامِضةٍ مَجهولةٍ، لَها ذُروَةُ الأثرِ المِزاجِي الرئيس في تَعزِيزِ مَوجةِ التذمّر؛ وتَكرِيس عُنفُوانِ الاستِياء… ! وهُنا، لَا أَكادُ أنسى آثار نّفخِ الاضطراباتِ النفسية؛ ومَسخِ مُستَحدثَات العِلل الفِسيولوجِية الناجِمةِ عَن جُملةِ الاعتلَالَاتِ “النفسجسدية” الرئيسة مِثل: تَسارُع نبضاتِ القلبِ؛ وضَيقّ الصّدر؛ وفَورَة الهَياج الداخِلي؛ ورَفع نَبرات الصوت؛ وازدِياد مَوجات الغضَب المُتنامِية، وفَرطِ مَكابِح السيطرةِ الضابطةِ على الردُود اللّفظِية المُثلى، في أمُور ومَواقف التواصل مَع الآخرين…!
هَذا، وللاقتِراب الجادِ مِن مِنصّة السعْي الذاتَي، إلى طَريق مَلاذ عِيادات التدرِيب الاستِشاري العلاجِي المُتخصّص؛ لإيجادِ حُلولٍ ناجِحةٍ ناجِعةٍ؛ لمَعالجةِ و”سَحْقِ” سِمة التشاؤم البغِيضة، بمَا تَحمِله “سُمومها” مِن مَخزُون الأفكار السلبية، القابعة في أصلِ جَذوةِ جُذورِها؛ وهُناك عَددٌ مُتزاحِمٌ، في قائمةِ الطرائق العلاجية الإجرائية المُفيدَة، تَمتلِكها يدُ المتشائمِ المعتلّ عَينِه… لعلّ مِن أبرزِها: عَزم الأمرِ على عَدم الاستماع المُنصِت المُذعِن؛ ورَفضِ والاستجابةِ المُسارِعةِ المُلبّيةِ لهَمسِ نِداءات؛ وهُتافَات مُسوّغاتِ؛ وحَضّ مُحفّزاتِ؛ وتَزيّن إغراءات تلك الأفكارِ السلبيةِ، جُملةً وتَفصِيلًا؛ وكَذا الالتَفات المُصغِي لتَحرِيضِ استمرار “سِيناريو” البثّ المُباشِرِ؛ لاجترار أكوامٍ مُتَراصّةٍ مِن أنماطِ بُسُط التداعِياتِ السوداويةِ المُؤرِّقةِ؛ وطَردِها على الفَور، “بحَزمٍ وعَزمٍ” مِن بُؤرةِ حاضِرِ تركِيزِ الحَواس، مِرارًا وتَكرارًا. وثاني تلك الطرائق: ازدِراء واستِهجان مَصادِر ومَنابِع نوباتِ الألمِ النفسي، المُصاحبةِ لهَجمةِ مَخزون الأَفكار السلبية، ومُلاحَقتها بضراوةٍ، وهَزِيمتها، بِلَا هَوادَةٍ. وثَالثةُ أثافِي تلك الطرائق الناجِعة: استِبدال “مُسَوّدة” كَامِل الأفكار السوداوية بنُسَخٍ مُثلى صَارِمة مِن أفكارٍ إيجابِيةٍ بدِيلةٍ جَديدَةٍ؛ تبعثُ في دَاخِلةِ النفسِ المُطمَئنّة، مَشاعرَ الارتياح؛ وتُقوّي مُحفّزات الثقة؛ وتواجِه مَوارِد الهزِيمة النفسية بشَجاعةٍ وبسَالةٍ… وذخِيرةِ أسلحةِ تلك العُدّةِ مِن الطرائق العِلاجية، والوسَائل العملِية هي: مُحاولةٌ رَاغبةٌ مُجتهدةٌ، تتجلّى في التقرّب الجَاد مِن ثُلّةِ الأَصحابِ الأَخيَار، مِن ذَوِي سَماحَةِ وأريَحيةِ هِمَم المَعنوّياتِ الايجابيةِ العالِيةِ؛ وتَقمّصِ أنماطِ أَسالِيبِهم المُثلى، في مُجملِ نظرتهم الاعتيادية السّوِية لمُختلفِ الأمُور الحَيوِية؛ وتَكثِيف أحادِيت التواصُل الاجتماعي مَعهم؛ وتأمّلٍ وثِيقٍ مُمَاثِلٍ لأساليب تطلّعاتِهم الاستِشرافِيةِ المُشرِقةِ، بوضُوحِ فِكرِ الناقدِ المُنصِفِ؛ وانتحَالِ حَيثِيات السعْي المُثابِر الجَاد، إلى الخُروج الآمِن، مِن سُجُون أَنفَاق التقَوقُع السلبية، إلى وسَاعَةِ سَاحَاتِ؛ وفَساحَةِ مُنطلقاتِ؛ ومَندُوحَةِ أنفاسِ مُعطياتِ التحرّر النفسي، مِن كَافّة أُفُق تلك الضغُوطِ المُهلِكة؛ وأدوَار المُعانَاةِ الخانِقة، بواسِع قَضّها وقَضِيضِها…!
ولَعلّي، بَعد انتهاج مِشوارِ “الكرّ والفرّ” المُزاحِم، في مَسار رَغبةِ تَدجِين حَالات الأَلم الوِجداني؛ وبُغيةِ اقتِناص، ثمّ استنقاص “ضَمِيمَةِ” أعراض القلقِ النفسِي الرتيبة المُصاحِبة، ووَأدِها في مَهدِها للأَبد، قَبل أن تَغزُوها أعراض الشيخُوخَة الهَرِمة… وعِندئذٍ، يَبدأ زَحفُ الدخول المُنتصِر المُظفّر إلى فَتحِ أَعتَى بَوابات الخروج المُوصدَة على مَصَارِيعِها المُتّسِعةِ، بارتياحٍ وانشراحٍ؛ والشرُوعِ الذاتي المُبرمَج، في فسَاحَة نَهجَ استهلالِ- نَشرِ ونَثرِ- كامِيرات الرّصدَ الرقمِيةِ الدقيقةِ، للوُلُوجِ النافِذ المُتدرّجِ، في سِباقِ رَصدِ المُراقبة الخفِية؛ وسِياقِ نهجِ الاضطلاعِ المُتخَصّصِ، برَسْمِ وعَرضِ بنودِ إطارِ بَرنامجٍ زَمنيٍ مُرتّبٍ؛ يَتبَنّى هَزيمة آخر صُفُوف أَفوَاج وفَياِلق كافةِ أنواعِ المُسوّغاتِ، وأترابِها مَن جُندِ المُهيّجَات السلبية؛ وضَربهم الضربَة القاضِية المُنتصِرة؛ حتّى لَا تَقومَ لَها أَدنَى قَائمةٍ تُذكر؛ وبَعدَها يَحْلُو للفردِ المُنتصِرِ الظافِرِ، أن يُتابع ويَتتبَّع مَخزون سِجلّ رَصد الكامِيرات الرقمِية، بأَناقةٍ مُتأنيةٍ، ووَسَامةٍ مُتّئدَةٍ؛ لاستئصَال مَا يُعكّر صَفو استقامةِ المزاجِ المُتعافِي توًا؛ ويُعزّز، بأريحيةٍ وشافِيةٍ، نُفُوذ المَسارَات المُتأنّقة للحُزَم الضوئية، في سَالِك مَساراتِها المُستقِيمة؛ لاستشرافِ وبُلْوغِ آفاقِ المُستقبلِ المُشرِقِة المُنتظرِة، بِلفيفِ مَحطّاتِ أرائكِها الوَثِيرة المُرفّهةِ؛ والاستِنارةِ الهاديةِ إلى سُبل مَنابعِ أطيافِ أضوائِها الجاذِبة… عَندئذٍ، يتم إعادة بناء مُقوّمات نَضَارةِ مَظهرِ الشخصِيةِ القَويمةِ… فَمَن جَدّ وَجَدَ؛ ومَن سَار على جَادّةِ نَهجِ الدربِ المُسدّدِ وَصَلَ… وبالله أَمَلُ التوفِيقِ؛ ومِن وَاسعِ فَضلِه الغامِر، وبَالِغِ هِدايتِه المُوصِلة إلى حُسن السداد، واستقامة نهجِ الرشَاد، نَستمدّ مَنابعَ العَونِ؛ ونَستَسقِي مَناهِلَ الارتِواء… !