صباح الخير جاري

كانت صديقتي تردد دائمًا: ‏القناعة هي حجر الفلاسفة الذي يُحوّل كلّ ما يمسّه ذهبًا.

‏قلت لها: القناعة نداء خفيّ يردد حمد الله وشكره في القلب، يكفينا أمان الأرض والسماء، فنحنُ بألف خير مادامت الصلاةُ قرةَ عينٍ، ومادام العطاء يمحو الحدود بين الناس.

نحنُ نعيش في زمن تمرّ فيه المصائب والأهوال على الشعوب ومُختلف القارات بينما نحن ننعم بأمن الله وأمانه، نُشاهد مظاهر الدّمار من خلال شاشات البث التليفزيونيّ ونحمده تعالى على نعمة أمان الأرض وسكونها تحت أقدامنا، ثم نُجدد الحمد والثناء على أن جعلنا مسلمين، نحمل شرف الانتماء لمحمد وآله الكرام، أكرمنا الله برسالة سماويّة سامية، وبرأفة مُحمديّة وبنهج علويّ فاطمي ينشر الأمان والاطمئنان النفسي على منازلنا الموالية، التي لم تخلُ من ذكر الله وذكر أهل بيت نبيه الكريم في كلّ مناسبة وفي كلّ محفل.

في مجتمعنا النابض بالإيمان القلوب مهيّأة لذكر الله، والمساجد لا تخلو من عبادته تعالى، تُرفع الأيدي استغاثة بالله، وتزحف القوافل في رحلات العشق الإلهي متجهة لبيت الله تعالى، تحوم حملات الاستغفار بين المؤمنين الأبرار، وتُحقن الدّماء، وتجدد الطاعات في هذه الشهور المباركة.

ما أن تحلّ ذكرى مناسبة دينية إلا هرع الناس يرفعون أسمى البشائر، ويُجددون طاعتهم لله تعالى، تُضاء المنازل، وتُقام الحفلات المباركة تجديدًا لإحياء مناسبات أهل البيت الشريفة.

في مجتمعنا تنتشر المحبة ويُكشف البلاء بالصدقة، تُرفع الصدقات لوجه الله تعالى ولفكاك الرقاب، وتعين على نوائب الدهر.

في مجتمعنا يصلّي الفقير والغني في صفّ واحد، يسأل المارّ عن جاره، يشاركه أفراحه وأحزانه، هذه بعض من ملامح مجتمعنا.

ومهما بالغنا في المقارنة بين عاداتنا الاجتماعية السالفة والمتجددة يظل ما غرسه النبي الكريم في نفوس أبناء أمته له رائحته الشذيّة التي تظهر في وقت الحاجة، ومهما انتقدنا ملامح المجتمعات الحديثة تظل التحيّة الأنيقة تنبعث من القلوب المُحبّة “صباح الخير جاري”، “مرحبا بابن العم”.

في ذلك المساء كانت الأم تبحث عن طفلها الذي خرج دون وتأخر في عودته للمنزل وإذا بها ترى ابنها بصحبة جارها الذي جاء به لأحضانها عندما شاهده يبكي خائفًا.

وفي المساء ذاته زاغ بصري وأنا أحدّق بتلك المسألة الحسابية ولم نصل لحلّها أنا وابنتي فانطلقتُ بها لجارتي التي لم تمانع مساعدتنا.

يُخيّل إليّ أن الخير يحوم في الطرقات، ينتقل بين أيدي الأخيار من الناس يحتسبون أجره وثوابه عند الله تعالى كما وصف ذلك الشاعر حطيئة حينما قال:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ
لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ

أيّتها الأرض اهدئي، إننا من أمة محمد، نُوفي بالمواثيق والعهود، نطبق ما جاء به الرسول الكريم، رفقًا بنا، وبالإنسانية جمعاء.

نتضرع لله تعالى بأن يجعلنا مجتمعًا قدوة يمتثل ما جاء به نبيّ رحيم، ومصلح عظيم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “أرسلني الله بأنْ تُوصَلَ الأرحامُ، وتُحْقَنَ الدِّماءُ، وتؤْمَنَ السُّبُلُ، وتُكْسَرَ الأَوثانُ، ويُعبَدَ اللهُ وحْدَه لا يُشرَكُ به شَيءٌ”.



error: المحتوي محمي