كان اسمها مميزًا عندي لكثرة وجود الفاطمات في فصلها الدراسي، ولم تكن فاطمة هود الصفواني طالبة عابرة فحسب، بل كانت أشبه بنسيم عليل، وفراشة حرّة طليقة تنتقل بين زميلاتها بحب.
صباح هذا اليوم فُجِعت المدرسة الثانوية الأولى بالعوامية بخبر وفاة درة ثمينة من طالباتها!
فاطمة هود من يعرفها من معلماتها يعرف جمال الابتسامة، يعرف الاجتهاد والمثابرة، كانت تحدثني مرة بلسان الغصن الأخضر اليانع وتارة بلسان زهرة شذيّة تعطر الأرجاء، وما أكثر ما حدثتني فاطمة بلسان الطالبة الحريصة على درجاتها، تفاجئني بأوراق عمل وأبحاث في اللغة العربية وتنتظر مني كلمات المدح والإشادة والتعزيز!
كنت أشبعها حبّا وثناءً لأنها تستحق، وأنا أُفتنُ بجمال ما تقدم، وأثني على صنع أناملها البريئة. لله ذلك الغصن كيف اختطفه الموت سريعًا؟ اللهم لا اعتراض!
هل تفي كلمة الوداع بتلك الخيوط النورانية المتدلية من قرص الشمس؟ حوريّة زُفّت بزغاريد انطلقت من أفواه الألم ومن حناجر الحزن انبعثت كلمات الأسى والوجع على الفراق.
بمنتهى السعادة تستقبلك الجنة وتبسط الملائكة أيديها بشراكم اليوم، حلّتْ بالمقام حوريّة أنسيّة.
وفوق سفوح تلال الجنة أضاءت فاطمة بالقرب من أنهار الجنة ورياحينها، ابتسمت وفاض نورها. ولأنها كانت وديعة باهظة الثمن فقد رُدّت سريعًا إلى بارئها.
وَما المالُ وَالأَهلونَ إِلّا وَديعَةٌ
وَلا بُدَّ يَوماً أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ
وَيَمضونَ أَرسالاً وَنَخلُفُ بَعدَهُم
كَما ضَمَّ أُخرى التالِياتِ المُشايِعُ
ويطول صمتي بين عبارة وأخرى، كيف لي أن ألبي رغبة حروف العطف وهي تطلب المزيد من الجمل والكلمات عن رحيل فاطمة وسمو فاطمة ورحيلها المُفاجئ.
كان خبر رحيلها مُفْجِعًا، حبستُ صوتي واعتدلتُ في جلستي وكرّست جميع طاقاتي لأرحل بخيال صامت ينعى والديها وأرى طالبات المدرسة يسكبن الدموع منتحبات زميلتهن وقد استعجلت الرحيل، لقد كانت على مشارف التخرج من المرحلة الثانوية.
ماذا كان يؤلمك صغيرتي؟ أخبريني كيف كان خروج النفس الأخير لك في الحياة؟ لا رغبة لي على الإطلاق سوى أن أضعك في حضني كي أُلقي عليك تحية الوداع.
يقول كعب بن زهير:
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يومًا على آلةٍ حدباء محمولُ