مالك شعل!

من مواقف الطفولة التي ما زالت عالقة في الذاكرة، كنت مع مجموعة من أولاد الفريق نجوب شوارع الديرة فالتقينا في الطريق بأحد زملاء المدرسة يقوم بعمل ما أمام منزلهم. بادره أحد الرفاق بسؤال: “ويش جالس تسوي؟” فكان جواب صاحبنا والذي لم يكن على وفاق وقتها مع حرف غ ولم يتكلف في التفكير والإجابة بل كان جوابًا قصيرًا ومختصرًا “مالك شعل”.

أثناء تبادل الحديث مع زوجتي عن مواضيع مختلفة، أخبرتني بموقف حدث معها: “مؤخرًا التقيت إحدى زميلات الدراسة في إحدى المناسبات الدينية، وبالكاد استطعنا أن نتعرف على بعضنا فآخر لقاء جمعنا على ما أظن كان أيام المرحلة المتوسطة، ولولا استرجاع بعض الذكريات المتعلقة بتلك المرحلة لما تمكنّا من تحديد هويات بعضنا. المهم بادرتني بطرح سؤالين: الأول ويش حالكم؟ أما الثاني: ساكنون في بيت إيجار أو ملك؟” استنتجت من هذه القصة القصيرة أن حب الفضول لا يقتصر فقط على البعض من الرجال بل هنالك ثلة من النساء تملك هذه الصفة!

من الأسئلة المتكررة التي كانت توجه لنا خلال مرحلة دراستنا الجامعية كان سؤال أحدهم لك كم معدلك؟ وعندما تمتنع عن الإجابة أو تكتفي بالسكوت، يبادرك بسؤال آخر “ليش ما تبغي تقول؟ سر يعني؟” فترد عليه أبدًا بس ما أحب أتكلم في هذا الموضوع! طيب ليش؟ وينتهي اليوم على هذا المنوال!

يصادفك أحدهم بعد طول غياب، ليوجه لك حزمة من الأسئلة أولها كم راتبك الحين؟ وإذا فَضّلت السكوت وعدم الإجابة يفاجئك بعرض مغري جدًا لا يمكن رفضه “أقولك كم راتبي وتقول؟” هل سبق لي أن صرحت لأحد بأنني مهتم بشكل كبير بمعرفة كم راتبك، أو راتب من يعز عليك؟ أو أنى قد رَصَدت جائزة قَيّمة لمن يقدم لي هذه المعلومة المهمة، والتي تتوقف على معرفتها الكثير من الشؤون الحياتية؟ الله يبارك لك ولنا فيما أعطانا ويزيد الجميع من فضله.

يأتي آخر ويسأل بكل برود أحد زميلات العمل سؤالًا يَسم البدن كما يقول أهل الشام: لماذا إلى الآن لم تتزوجي؟ هو على قدر كاف من المسؤولية والوعي بأن هذه النوعية من الأسئلة تَضَع الآخرين في حَرَج كبير، وقد يكون لها تأثير سلبي على نفسية ومزاج الآخرين لفترة طويلة. كما أن بنات الناس، لسن مُجبرات على البوح بمعلومات شخصية وحيثيات تخصهن دون غيرهن من الناس، من أجل إرضاء فضولك غير المُبرر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفضولي المحترم على دراية تامة بأن الزواج في نهاية المطاف “قسمة ونصيب” وهذا كان بالضبط جوابه عندما سُئل لماذا لم تتزوج أختك؟ للعلم بأن سؤال “ليش ما تزوجت؟” مُحرج وبشكل كبير كذلك للرجال، فالموضوع لا يتعلق فقط بالعمر لكن بأمور أخرى كثيرة ذات صلة.

في كثيرٍ من الأحيان، توجه لنا أسئلة من أشخاص لا تربطنا بهم علاقة قوية، بل في بعض المناسبات نكون في أول لقاء يجمعنا معهم ومع ذلك تبدو أسئلتهم في نظرهم عادية وطبيعة جدًا. لكنها في الحقيقة لسبب أو لآخر تكون مُحْرجة، أو ربما الإجابة عليها تتطلب الإفصاح عن معلومات لا يرغب -أو يفضل- الشخص مشاركتها مع الآخرين. وفي بعض الأوقات يكون السؤال عن حسن نية أو كما يقال بلهجتنا العامية “عن غَشامة” ولا يراد من ورائه التدخل الصريح في شؤون الآخرين والتسبب لهم بالأذى. والحكم على هذه الفئة يعتمد على الصيغة التي يتم بها طرح السؤال، بالإضافة إلى طريقة فهم وقابلية المتلقي. وفي المقابل، البعض من الناس -الله يهدي الجميع- يعطي نفسه الصلاحية المطلقة دون مراعاة خصوصية الآخرين ومشاعرهم، بتوجيه استفسارات عن أي شي يخطر على باله من أمور وقضايا حتى لو كانت شخصية بحتة، ويخوض في مواضيع لا يمكن التطرق لها ومناقشتها مع الآخرين أو الغرباء أو من غير أصحاب الشأن.

هنالك نوع من الفضول الغاية منه الشغف لمعرفة القضايا والأخبار المهمة والاستكشاف للحصول على معلومة جديدة وقيّمة ومفيدة، قد تساعد في زيادة المخزون العلمي والثقافي للأشخاص وتطوير مهاراتهم وسلوكهم. وفي الطرف الآخر، هنالك من لا يبحث أو يتقصى عن معلومات مفيدة، بل يفضل اقتحام شؤون الآخرين وخصوصياتهم والتطرق لمواضيع تضمن له الثرثرة (شاف له شي يتكلم فيه) لذلك، فإن الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه النوعية من الفضوليين، هي الابتعاد عنهم وعدم مجاراتهم في الكلام، وتجاهل أسئلتهم والتلميح لهم بأن أسئلتهم تعتبر خَرقًا لخصوصيات الآخرين. وإذا لم تجد هذه الأساليب المهذبة معهم نفعًا، فلا يتردد الشخص في أن يستخدم أسلوبًا آخر أكثر ملاءمة وصرامة لمن هم على هذه الشاكلة، بتوجيه خطاب شديد اللهجة بأن هذا التدخل الصريح في شؤون الأخيرين، غير لائق وغير مقبول اجتماعيًا ودينيًا ويسبب الإزعاج. وهذا أمر لا يعنيك! تطبيقًا للمثل القائل “من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه”. وإن أحببت، أجعل من جوابك لمن يتدخل في شؤونك الخاصة على غرار صاحبنا قصير ومختصر “مالك شغل”.



error: المحتوي محمي