الهوية المفقودة

عشاق الحسين كثر ولكل طريقته في التعبير عن حبه وولائه للحسين عليه السلام ويبذل ما يستطيع من عطاء إكراماً لآل البيت  سواءً كان في شهر محرم الحرام أو في غيره من أيام الحداد على آل البيت عليهم السلام.

ولكن.. لنتوقف قليلاً، لنبحث عن حرمة هذا الشهر المفقودة!

قديما، يقال:” لا تضعوا الماء وسط المأتم لئلا ينكسر قلب الزهراء حيث أن ولدها قتل عطشاناً”، ولكننا غفلنا عن هذا وصرنا نشرب ونأكل ما لذ وطاب في المأتم باسم البركة، وأصبحت ضيافة الحسين لدى البعض مباهاة عدا بعض التوزيعات المكلفة نهاية المجلس، هذا بالإضافة إلى المضايف الحسينية وكثرة التوزيعات والأطعمة في بعضها، والتي قد يرمى جزءٌ منها في مكب النفايات وبالخصوص الأرز.

بالتأكيد أن الحسين يستحق أكثر من بذل الأموال، ولضيوفه حق الضيافة، ولكن لا يصل الأمر إلى أنه قد تهجر المآتم الغير متكلفة مما يضطر أصحابها مجبرين أن يسايروا هذه العادة المستحدثة هذا إن استطاعوا.

قديماً أيضاً كان المأتم يغطى باللون الأسود كشعار للحزن والحداد وبالرغم من أن الحسين عليه السلام قد تجرد من ملابس السلطان وظل بثياب ممزقة رثة ألا اننا تناسينا ذلك وتغيرت الخرقة السوداء التي تغطي الجدران إلى أنواع مختلفة من الشعارات الملونة والتي قد يكون بعضها غالي الثمن وبالكاد يرى اللون الأسود من خلالها، ورغم جمالها إلا أنها لا تمثل الحداد في نظري.

وليت أمي موجودة الآن لتخبر القارئات الحسينيات أن أجرة القراءة ليست متاجرة، حيث كانت رحمها الله لا تطلب أو تشرط أجر القراءة الحسينية بل أنها كانت أحيانا تقرؤه مجاناً لمن لا يملك المال، بينما الآن أغلب القارئات لا تقبل بالقليل، وبالخصوص المجلس الحسيني المقام في فواتح المؤمنين حيث يبلغ مدخول القارئة في خمسة أيام ما يساوي راتب شهر أو شهرين لمحدودي الدخل.

وقديماً أيضاً كانت أمي تغطي التلفاز بغطاء أسود وكان محظوراً علينا رفع الغطاء خلال هذا  الشهر ولكن في وقتنا الحالي ومع تنوع القنوات التلفزيونية ومنها الدينية التي تهدف غالبا ًلنشر الوعي الديني للمذهب أصبح وجود التلفاز شبه ضروري بالإضافة إلى كسر ملل الأطفال ببرامجه.

أين الحسين في كل هذا ؟!

قد يطول الحديث ولكن تبقى العادات المستحدثة هي الطاغية على المجتمع والقليل من يذرف الدمع حزنا ومواساة.

في النهاية، ولا أظنها النهاية، أعاتب نفسي أولاً، ثم مجتمعي في فقد هوية شهر محرم الحرام.

 


error: المحتوي محمي