فوق التراب دموع عين باكية
وعلى الطريق رأيت كل حكايتي
في هذه الأبيات يصف الشاعر فاروق جويدة شعور الوحدة النفسية، وكيف أنه كان يرى صفحات من كراس حياته على الممر الذي كان يسير عليه والذي قد امتلأ بالدموع.
فكثيرة هي تلك الأبيات التي تصور لنا قصص الغرام حيث يتنافس الشعراء في التعبير عن مشاعرهم، كما أن الرسامين الذين حولوا حالة الحب من جزء غير مرئي إلى لوحة فنية تتزين بمختلف الألوان.
هذا عن الحب ولكن ماذا عن الشعور بالوحدة؟!.. الشعور القاتل الذي وصفه فاروق جويدة وصوره فان جوخ؟!..
الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، أي يميل إلى تكوين جماعات والانتماء لها؛ حيث إن شعوره بالتوافق معهم من الناحية الدينية واللغوية، وأسلوب الحياة المشترك معهم يشعره بالراحة النفسية.
ولكن هناك حالات يكون فيها الإنسان اجتماعيًا إلى أقصى حد، وعلى العكس قد يكون انطوائيًا ومنعزلًا إلى أقصى حد أيضًا.
وقد نجد آخر يجمع بين الاثنين أي إنه بالرغم من كثرة معارفه وعمق علاقاته الاجتماعية فإنه ما زال يشعر بالانطواء والعزلة.
وهنا نموذج نفسي يصف مشاعر الوحدة النفسية..
“أشعر بأني أعيش بعيدًا عن أسرتي وإخوتي.. أمر أحيانًا بلحظات أشعر فيها بأنه لا أحد يهتم برأيي.. ويراودني شعور بأنهم يجاملونني.. وهذا ما يجعلني أرفض الكثير من الدعوات التي تقدم لي.. بحثت كثيرًا عن أشخاص لا أشعر معهم ببعد المسافة.. أي يرغبون في قضاء الوقت معي ويبحثون عني في غيابي.. وطالما أجدهم.. سرعان ما أشعر بأني أرغب أن أكون وحيدًا..
إنها سلسلة من المشاعر المؤلمة التي لن تنتهي”.
وقد عرف أحد الباحثين الوحدة النفسية بأنها: إحساس الفرد بوجود فجوة نفسية بينه وبين المحيطين به نتيجة افتقاده لإمكانية الانخراط أو الدخول في علاقات مشبعة. إضافة إلى شعوره بالإهمال، وعـدم التقبل مما يؤدي به إلى الشعور بالوحدة والانزواء.
تشير كتب علم النفس إلى أن هناك نوعين من الوحدة النفسية وهما: الوحدة النفسية العاطفية، والوحدة النفسية الاجتماعية.
وتشير نظرية التحليل النفسي إلى أن الشعور بالوحدة هو ناتج عن عدم قدرة الإنسان على التوافق مع بيئته، وبالتالي يشعر بالخطر والتهديد، فيلجأ إلى الوحدة كشعور دفاعي يحميه من الخطر الناشئ عن البيئة الاجتماعية. ولكن حالما يشعر الإنسان بتبعات الوحدة النفسية التي تظهر على شكل قلق واكتئاب وتفكير في الانتحار، يلجأ هنا إلى فطرة التدين كوسيلة دفاعية أخرى، أي يلجأ إلى ربه حيث يطلب منه المغفرة والسكينة، وعند إحساس الإنسان بنوع من التغير الإيجابي يزداد التقرب إلى الله.
وهنا إما أن يحافظ الإنسان على التغير الإيجابي، أو أن تحدث انتكاسة، والانتكاسة هنا ليست بالأمر السهل. فقد يعتقد البعض بأن التبعات للانتكاسة أمر مبالغ فيه رغم أنها قد توصل الإنسان للانتحار أو قد تأخذه إلى طريق آخر وهو الإلحاد.
المدخل للوحدة النفسية هو عدم إحساس الإنسان بكفاءته المجتمعية وشعوره بعدم رغبة المجتمع فيه.
والإجراء هو أن يتولد لديه الشعور بالوحدة النفسية كي يحمي نفسه من شعور الرفض. وقد يصل به الأمر إلى الاغتراب النفسي كما عبر عنه “ألبير كامو” ثم يصطدم بالعدمية أو عدمية المعنى ثم قد يلجأ لعلاجها بالتدين.
وعندما يخفق عامل الدين في إخراجه من هذه المتاهة قد تكون المخرجات كثيرة ومن ضمنها الإلحاد.