في هذه الأيام، يسود الهدوء فجرًا لأن الجو يسمح بعدم تشغيل أجهزة التبريد المزعجة، فعندما يحين أذان الفجر تنبعث من واحدة من المآذن حولنا “الله أكبر” وتجيبها مئذنةٌ أخرى “أشهد أن لا إله إلا الله” ومن الثالثة “أشهد أن محمدًا رسول الله” في لحنٍ يشبه لحن قيثارة الخلود بل هو يقينًا لحن الخلود. بعد أيام قليلة تتحول أصوات أجهزة التبريد إلى جيشٍ محتشد تضعف صوت المؤذنين لكنها لا تهزمه كلية!
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأنس بأذان بلال وعندما يحين وقت الأذان يقول له: “قم يا بلال فأرحنا بالصلاة”. ويقول: “إن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرضِ شيئًا إلا الأذان”.
أما أولئك الذين تصدح حناجرهم بالأذان؛ يقومون قبل الفجر، يغادرون فُرشهم ويقصدون المساجد من أجل الأذان – صيفًا وشتاءً – فإنهم أصحاب أعناقٍ ممدودة يوم القيامة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: “يحشر المؤذنون يوم القيامة أطول الناس أعناقًا”. عمل يشكرون عليه ولهم علينا فيه حق. عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “حق المؤذن، أن تعلم أنه مذكر لك ربك عزّ وجل، وداعٍ لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فاشكره على ذلك، شكرك للمحسن إليك”.
عندما تسير في شوارع مدن وبلدات المسلمين – في مشارق الأرض ومغاربها – ظهرًا أو في المغرب والعشاء أو في الفجر فلا بد أن يستوقفك صوت الأذان وفصوله الجميلة فتهرب مسرعًا من زحمة الحياة وصخب الطريق إلى راحة الصلاة وهدوء المسجد. أصوات تفتقدها عندما تكون في بلدانٍ لا يُؤذن فيها. في المؤذنين مَنْ صوته آسر، جمال صوته وعذوبته يضيف إلى الأذان حلاوةً وطراوة فتدخل تلك الفصول والجمل التوحيدية إلى القلب وفيها برد وطمأنينة وشجى يبعث على الشفاء، وإن لم يعرف من يسمع الأذان معنى الكلمات فإنه يتأثر بها.
هل تأملتم دقة الإسلام في تنظيم الوقت؟ مؤذنون لا حصر لهم تنطلق أصواتهم بالدقيقة والثانية وكأنهم على موعد لا يستطيعون أن يخلفوه. مثل الساعة الإلكترونية الدقيقة ينصبّ نغمُ الأذان، فهل من عذرٍ لنا في التفريط في الوقت وخلف الوعد ونحن الذين نرفع الأذان بالدقيقة والثانية، خمسَ مرات في اليومِ والليلة؟!
يروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في بلال: “نعِم المرء بلال، هو سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلاّ مؤذن، والمؤذنونَ أطول الناس أعناقًا يوم القيامة”. أنتم أيضًا أيها المؤذنون في أي مكانٍ وزمان تؤجرون وتشكرون!