سيرة طالب (٤٥)

جولة في داخل تكوين البلاغة
الجولة الأخيرة

نتابع بعض الجولات في صفحات كتاب تكوين البلاغة، وبعض ما قدمته من لفتات ، والتي قد تعد بعض الاكتشافات الجديدة، مما قد يفيد الباحثين والدارسين لهذا العلم، أي علم البلاغة.

جولة في علم المعاني

لعل أوَّّل مَن سَمّّى عِلم المعاني بهذه التَسمية العالم البلاغي  عبد القاهر الجَرَجَانِيّ في كتابِهِ دَلائِلُ الإِعجاز. وقد عُرف علمِ المعاني أنه ائتلَافُ الألفاظِ ووضعُهَا في الجُملةِ الموضِعَ الذي يفرضهُ معناه النَّحوِي، كأَحوال الإِسنادِ الخَبَريّ، والإِنْشَاء، وأحوال المُسنَد إِليه والمُسنَد، ومُتَعلِّقاتِ الفِعل، وغيرها.

والذي قمت به في علم المعاني يستند إلى نظرية العالم اللغوي ( تشومسكي ) حيث طرح نظرية لغوية تسمى النظرية ( التوليدية التحويلية )، ووضحتها وقولبتها وسحبتها من علم اللغة إلى علم البلاغة.
ويمكنك مراجعة هذه النظرية، و أولى لبنات هذه النظرية هي (الكفاءة اللغوية) وتعني القدرة الكامنة والمفروضة التواجد في عقل المتكلم وهي المخزون اللغوي والنحوي والدلالي الذي اكتسبه الإنسان عبر مراحل حياته وتجاربه التواصلية والذي يشكل الخلفية التي منها ينطلق للبث والتلقي .

بينما (الأداء اللغوي) هو التطبيق الفعلي والإجراء العملي للمخزون اللغوي الكامن، وهو الاستخدام للكفاءة المتأخر عنها بطبعه، والأداء اللغوي كما يكون في جانب المتكلم بإصدار الشفرة وضغطها يكون في جانب المتلقي الذي يقوم باستقبال الشفرة وفكها، وكلا العمليتين أداء لغوي نابع من الكفاءة اللغوية.

نظرية معنى المعنى
علم البيان هو العلم الآخر التابع لعلم المعاني السابق، ويعرف علم البيان بأنه: أصول وقواعد يعرف بها إيراد المعنى الواحد بطرق متعددة وتراكيب متفاوتة كالتشبيه والكناية، والمجاز، من حيث وضوح الدلالة على ذلك المعنى الواحد وعدم وضوح دلالتها عليه ويعد أول من قعد هذا العلم عبد القاهر الجرجاني في كتاب ( دلائل الإعجاز )، وتعد هذه النظرية البلاغية هي الأساس التفسيري لجماليات الأشكال البيانية، وقد أسماها نظرية ( معنى المعنى ).

وقد اهتمت الدراسات البلاغية الحديثة بفكرة (معنى المعنى) في بيانها وقياس مدى صلاحيتها للتطبيق المنهجي، مع التسليم بأنها من أعمق ماتوصل له الفكر البلاغي الموروث وحتى الحديث منه.

وما قمت به هو تطوير نظرية معنى المعنى إلى نظرية جديدة تسمى (نظرية الانزياح)، وهي خمسة مراحل تمثل حضوراً ركنياً يمكننا أن نلمسه في جميع البنى البيانية :
١ – القانون اللغوي .
۲- خرق القانون اللغوي .
٣- عملية تأويلية.
٤- صورة إبداعية .
ه- إعادة إنتاج الواقع .
ويمكن مراجعة هذه المصطلحات وتوضيحاتها في علم البيان في هذا الكتاب، وقد فصلت هذا بتطويل وأمثلة شعرية.

بنية التجنيس
يذكر البلاغيون أن البنات البيانية هي بنية التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية.
وإذا تأملنا في التشبيه فنلاحظ ملاحظة جذرية ونفترق مع البلاغيين في اعتبار فرع من فروع التشبيه، ونسميه (بنية التجنيس)، وهو يعد نمطاً بيانياً منفصلاً لأنه بنظرنا يمثل بنية منحازة لها طرائقها التعبيرية، وسنرى أن الوعي الداخلي للمتكلم أو المتلقي لا يمارس هذه البنية بنفس الممارسة الذهنية للتشبيه، وللنظر إلى هذين المثالين :
1) العلم .
كالماء للذهن .
٢) العلم ماء الذهن .
سنری أن المثال ( ۱ ) يحتفظ باثنينية حادة على المستوى السطحي، وعلى المستوى العمقي أيضاً بين طرفي التشبيه، بينما المثال ( ٢ ) تتحد فيه الصورتان، ويكون العلم من (جنس) الماء، وهـو مـا دعانا لتسميته (تجنيساً)، والوحدة التي يلامسها شعور المبدع أو المتلقي هنا هي بسبب طبيعة العلاقة ( الحملية ) التي تعني : أنّ الموضوع هو المحمول ، ولذلك قيل : إن الموضوع والمحمول متحدان وجوداً .

ولما أحس البلاغيون القدامى بهذه العلاقة الاتحادية لم يغفلوها، وانما استوقفتهم واسموها علاقة (التشبيه البليغ) ، وهذا ما يدلل على شعورهم الداخلي بأن هذا النمط من الإجراء التشبيهي أبلغ من سابقه فوسموه بالبلاغة، وكان حقه أن لا يكون تشبيهاً، من هنا كان المبرر العميق الذي جمع بين عنصري البنية هي التشبيه، ومن هنا جعلناه قسماً من أقسام (مجاز المشابهة).

إعادة علم البديع
علم البديع يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة، والتركيز على البنية الصوتية، مثل ما يسمى: الطباق والمقابلة والسجع والأجناس ورد الحجز على الصدر وغيرها، وقد تبلغ البنى الصوتية إلى مائة صوت.

ولا يوجد إلا تشعبات منتثرة لا يجمعها إلا كونها من البنى الصوتية، وحاولت استكشاف بعض الظواهر الجمالية المشتركة بين عدة أشكال، لتكون أساساً لتنظيم هذه التراكمات من الأشكال على أساس جمالي، وهذه الحالة أرهقتني في شهر أو أكثر يجول بي الفكر ويخاض بي الذهن فلم أكثب ولا سطر واحد سوى الولادة.

ولدت الكتابة بأشكال بديعية منتمية إليه وهي خمس ظواهر :
۱ قانون تداعي المعاني.
۲- ظاهرة اقتراض السطح.
٣-ظاهرة تعدد العمق.
٤- ظاهرة تجاوز النمط.
٥- ظاهرة الهندسة الكلامية
ويمكنك مراجعة هذه الأشكال، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




error: المحتوي محمي