من الجمعة إلى الجمعة.. الأندية ما بين الرياضة والتربية

رغم الجدل النسبي الذي لا يزال قائمًا بين بعض شرائح مجتمعاتنا حول دور الأندية الرياضية وانعكاسه سلبًا أو إيجابًا، فإن هذا الدور يفرض نفسه أمرًا واقعًا يجب أن يؤخذ في الاعتبار شئنا أم أبينا، بل ندعي هنا بأنه الضلع الثالث بجانب المدرسة والمنزل، والمؤثر في سلوك وتربية الناشئة واليافعين، وإلى العمر الذي يقفون عنده عن الركض وممارسة الرياضة.

يبقى الدور المعنوي الذي يقوم به مسؤولو الأندية والمدارس، بجانب الدور الاعتباري المناط تلقائيًا بأرباب الأسر، ومدى التأثير المنشود على السلوك والتربية، بشكل متماهٍ، بعيدًا عن الغاية الأولى وهي التفوق في الحالات الثلاث، وتحقيق الحد المأمول لقوامة الأبناء بما يتوافق مع الأهداف الأخرى المراد تحقيقها منهم وإليهم.

فكما تحرص المدارس على تفوق طلابها بما ينعكس على سمعتها كمنشأة رسمية تريد أن ترسخ مكانتها بين نظيراتها، فإن هذا الهدف هو ما تركز عليه الأندية الرياضية أيضًا من خلال المنافسات في الألعاب وتحقيق النتائج التي ترفع من قيمة أسهمها بين الأندية الأخرى وبالتالي عند سلطتها العليا لتنال حظها من الموارد العينية على اختلافها.

غير أن هذه الأهداف الأساسية وحتى تتحقق تحتم على قيادة هذه الجهات امتلاك عدة عوامل يكون من شأنها رفع مستوى هذه الشرائح المستهدفة للحد الذي يصل بهم للإيمان بأهدافهم سواء على المستوى التعليمي أو الرياضي بعيدًا عن الإغراءات والأمنيات، وفرش طريقهم بالورود والأحلام، أو خلاف ذلك من المعاملة بشدة وجدية دون اعتبار لثقافتهم الحياتية الغضة بما تتضمنه، سواء من الجانب التربوي أو العرفي أو الديني أو الأخلاقي. وهذه تحتاج لأن تكون أولوية لأهميتها في تكوين شخصية الطالب أو اللاعب، من أجل أن يؤمن إيمانًا حقيقيًا بهدفه، من خلال حبه للتعليم، وكذلك حبه للرياضة واللعبة التي يمارسها.

إن مسؤولية قيادة الأندية وهو ما نود التركيز عليه هي مسؤولية مهمة للغاية؛ حيث إنها تضم مختلف الأعمار، منذ الطفولة وهو ما يسمى بالبراعم حسب الدارج في العرف الرياضي، وحتى ما قبل اعتزال اللعبة التي يمارسها مختلف الشباب كلٌ حسب اتجاهه.

السؤال هنا هو: هل يا ترى لدى أولئك المسؤولين الأهلية للقيام أو مشاركة الجهات الأخرى بذلك؟

نحن نعلم أن النشطاء الاجتماعيين بالأندية ليسوا سوى متطوعين، بعضهم لهم خبرة رياضية من خلال الممارسة أو المتابعة، وربما يكون بعضهم أرباب أسر، وبعضهم لم يبلغ مناه لذلك، وبعضهم متطوعون مجتهدون أتت بهم غيرتهم وعزيمتهم ونخوتهم، وهؤلاء وأولئك يركزون في الغالب على جانب الرياضة، خاصة بعد أن أصبحت الوزارة بمسماها واختصاصها الجديد وهو وزارة الرياضة بعد أن ألغي منها جانباها؛ الثقافي والاجتماعي، وهو بشكل أو بآخر ما ينطبق على المدارس، ما عدا السلوك والمواظبة واللذان تحدد لهما درجات خجولة ليست بتلك الأهمية التي يعتد بها.

تبقى المساحة أكبر في الأندية إذا ما أرادت هذه تفعيلها، بالترغيب أو التقريع، من خلال تعامل الإداريين والمدربين الفنيين من أجل ضبط السلوك، ومتابعة حياتهم عن بعد، خاصة وأن مختلف شرائح اللاعبين يقضون وقتًا معتبرًا في أنديتهم، فلا توجد هناك صعوبة في متابعتهم رصدًا، ووضعهم تحت مجاهر التقييم، وتخصيص ملفات لهم للتدقيق في تقدمهم أو تخلفهم في مجمل ما هو مطلوب منهم، ولن يتأتي ذلك إلا من خلال تفعيل دور المشاركة في التربية مع الأسر كما هو حاصل وإن على خجل بين المدرسة والمنزل.

أهمية الرياضة عند الشباب أصبحت أولوية، وهي الضالة التي يمكن أن تقيدهم ليكونوا عند التطلعات التي ينشدها أهلوهم، وهو ما يمكن أن تقوم به الأندية، ولما هو كفيل بأن يبدل وجهة نظر المجتمعات عن الرياضة من الأساس ليؤمنوا أن الرياضة مكسب معتبر، وليست وبالًا على الأبناء وبالتالي على ذويهم.

وما هي سوى عدد من السنوات، ربما لن تتعدى المرحلة الدراسية الثانوية عند الكثير، ليتفرغ بعدها للدراسة الجامعية أو أي اتجاه آخر ينشد منه الطالب أن يكون نفسه ويشكل حياته، وربما تمتد به الرغبة بالاستمرار في ممارسة الرياضة إذا ما استطاع التوفيق بين دراسته أو عمله معها، ولا غرابة في ذلك، لأن الأمر حاصل فعلًا، وهو ما يفند القول بأن الرياضة تلهي الشباب عن دراستهم بل وتعطلها نهائيًا، والعكس أن الكثير تخرجوا والتحقوا بوظائفهم، بل وتزوجوا وهم لا يزالون يداعبون الكرة، وذلك يثبت أن الرياضة عون وليست فرعون.

ما نأمله أخيرًا هنا، هو أن تحرص الأندية على تأهيل سلوكيات اللاعبين وتقويمها، حرصها على تأهيلهم رياضيًا، وأن تتعاون وتتواصل مع الأسر، لتكون شريكًا اعتباريًا مع المدارس، وليشكلوا ثالوثًا قيميًا هدفه الأساس تأهيل نماذج من الشباب المتكامل والمتأمل منه لأن يكون إنسانًا بمعناه الحقيقي، ثم مواطنًا ينفع وطنه ومجتمعه الذي نما وترعرع وكبر فيه.

وقفة..

نريد للأندية الرياضية أن تكون معالمًا تنموية لشبابنا وطاقاتنا، وليست أمكنة تنافس على الكراسي دون أهلية وأحقية، فهي أولًا وأخيرًا ليست حكرًا لأحد، ولا ملكًا لآخر يعتقد بأنه أحق بها من غيره.


إبراهيم الزين

 


error: المحتوي محمي