والإجابة عن السؤال أعلاه، تحتاج إلى مقدمة ضرورية لتوضيح مفهوم “المحتوى” الذي أصبح أكثر تعقيداً وتشظياً، بل ومصدر خلاف ونزاع بين مختلف الأطراف، خاصة المهتمين بصنع المحتوى الجديد أو ما يُعرف بالمحتوى الرقمي.
المحتوى كتعريف ومفهوم، هو كل شيء يمكن التعبير عنه بواسطة الكتابة أو الكلام أو بأي شكل من الفنون والآداب والمهارات المختلفة، فالشعر والنثر والمقال والمحاضرات وغيرها تُعتبر من أشكال وألوان المحتوى التقليدي الذي يمكن اختصاره بـ “كل ما يُنشر ويُعرض ويُذاع في الوسائل التقليدية”، وهو أيضاً بمثابة “الرسالة” المراد إيصالها، أما المحتوى الرقمي الذي يُهيمن تقريباً على تفاصيل حياتنا، فيمكن وصفه بالقيمة المعرفية أو المادة الإعلامية التي يُعبّر عنها بلغة أو وسيط من حزمة كبيرة وطويلة من المنصات والنطاقات الرقمية المتعددة والمتمددة في كل الفضاءات والاتجاهات، كالصور والفيديوهات والصوتيات والبيانات والبودكاستات وغيرها من مصادر المحتوى الرقمي.
حول المحتوى والصدى، وأيهما أهم من الآخر، حدث انقسام كبير، فالبعض يرى بأن المحتوى هو الأهم لأنه الأصل والمادة، ولا يجب أن يستمد قيمته وجودته من الأصداء والتفاعلات التي تُثار حوله، بينما يؤكد أنصار الصدى والتفاعل بأن المحتوى مهما كان جيداً فإنه لن يُحقق أهدافه ولن يكون له ذلك التأثير الإيجابي على المجتمع بأفراده ومكوناته، إلا بوجود الأصداء والتفاعل من القرّاء والمشاهدين والمستمعين والمتابعين.
المحتوى والصدى، منهجان وأسلوبان لا يلتقيان كثيراً في وسائل ومصادر المعرفة والإعلام، سواء التقليدي أو الرقمي، ولكنهما في صراع وخلاف مستعر ومستمر، لأن عشّاق وأنصار كل فريق يُقدمون الأدلة والإحصائيات التي تؤكد أفكارهم وقناعاتهم.
وأنا هنا أحاول أن أقف على مسافة واحدة بين الفسطاطين/ القناعتين ولكنني سأورد هذين المثالين المتوازيين:
المثال الأول: لم يحظَ الأديب الإيرلندي الشهير “برنارد شو” باعتراف دور النشر والصحف بموهبته إلا بعد خمسين عاماً من كتابة القصص والدراسات التي لم تجد طريقها للنشر لأنها ليست من النوع الذي يُقبل عليه القرّاء!.
المثال الآخر: سألت أحد رؤساء الأندية الأدبية عن إصراره على إقامة الأمسيات والندوات الثقافية التي يكون عدد الحضور فيها يُعدّ على الأصابع، فأجابني بجملة صادمة لا أستطيع كتابتها هنا!.
ويبقى السؤال الملتبس الذي ما زال يبحث عن إجابة حقيقية: أيهما أهم: المحتوى أم الصدى؟.