حينما نعتزم الحديث عن هذا الأمر يفترض أن تكون لدينا نظرةٌ شاملةٌ وثاقبة تجاه ذلك الطرح ذي الفكر الواسع والعميق والمتشعب والذي من خلاله نؤسس لقاعدة بناء جيل واعٍ مطلع ومتزن ومدرك لحقيقة الواقع المعاش كما يجب أن يكون، وهذا لا يتحقق بمجرد رفع شعارات لا تتعدى سطحيات الأفعال أو لمجرد كلمات يكسوها جمال التنسيق وبراعة المصطلح وقوة التعبير وسحر البيان أو جمال الطرح؛ وهي في واقع الحال عبارات خالية وخاوية الجوهر وبعيدة كل البعد عن كل ما له صلة بالهدف المنشود بل ولا تمت للتطوير المستمر ورفع الشأن وسمو المجد بصلة على الإطلاق.
والمقصود بالهدف المنشود في حديثنا هذا هو الوصول الفعلي والحقيقي لبناء عقول يُعوّل عليها لواقعنا المنظور بل ولمستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا لذلك النشء الحالي من أبنائنا ذكورًا وإناثًا على حد سواء والوصول بهم لما تتطلبه المرحلة القادمة من همة وعزيمة واقتدار باعتبارهم العنصر الأساس للسير قدمًا بالوطن والوصول به لذروة العلياء منسجمًا ومتناغمًا مع ما يخطط له من قبل قيادتنا الحكيمة لتحقيق المصالح الكبرى وبما يتفق مع الرؤية المباركة والتي هي نتاج ما جاء به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- من آفاق عالية وأسس متينة وخطط علمية فائقة تلبي ما يطمح له شعبنا السعودي العزيز، والتي سادت إيجابياتها كافة أرجاء بلادنا المصونة دون استثناء أو إقصاء لأي مكون من مكونات وطننا المعطاء، وهذه الآفاق المتفتحة ليس المستهدف فيها نحن وأبناؤنا فقط بل هي إستراتيجيات طموحة وبعيدة المدى تُهيّئ لأرضية أكثر صلابة وقوة ومتانة لمستقبل مشرق يكون مُشعًّا بالأمل والتفاؤل وتحقيق جميع ما نسعى لتحقيقه ليسعد بعدها الأحفاد وأبناء الأحفاد ولينعموا برغد العيش والحياة الكريمة التي تليق بشعب عزيز وقيادة عظيمة تعمل بطاقة استثنائية لا تهدأ ولا تكلُّ لرفع بلاد الحرمين الشريفين بما يتناسب وقدسيتهما وإبراز ذلك جليًا حتى باتت مملكتنا يشار لها بالبنان بل قد أصبحت مثالًا يحتذى به في جميع حقول التقدم العلمي والثقافي والأدبي وميادين أخرى لا حصر لها حتى غدت بلادنا تتبوأ موقعًا متميزًا بين مصاف الدول المتقدمة.
ولكن عزيزي القارئ لكي تكتمل الصورة وتسدل الستار على مرحلة خطط لها من قبل رجالات هم لوطنهم مخلصون ولم يبخلوا من فيض العطاء والتفاني لرفع شأن البلاد عاليًا لابد هنا أن نسلّط جميع الأضواء على عامل مهم في تعزيز تلك الجهود التي تصب بكل اتجاهاتها في بناء ورقي الوطن وإعلاء كلمته وتحصينه من أيدي العابثين والمتربصين والأشرار؛ وهذا لا يتسنى ولا يتحقق كما ذكرنا آنفا إلا ببناء جيل واعٍ ومدرك لحقيقة ما يحيط بنا من عواصف قد تكون ذات نتائج غير مرضية وقد تسير بنا في اتجاه غير صحيح ومعاكسٍ لما هو مطلوب؛ لذلك يجب على كل الوطنيين والتربويين والمسؤولين والمثقفين وأصحاب الأقلام ورجال الفكر وكذلك جميع المؤسسات ذات الصلة بالحقل المعرفي والثقافي وكل هؤلاء مجتمعين يتحتم عليهم أن يحافظوا على تلك المنجزات التي تحققت بفضل رجالات قدموا جل وقتهم للوصول بالبلاد إلى ما وصلت إليه من مفاخر الأمور وألّا يبخلوا بوضع برامج من شأنها تحصين أجيالنا من أفكار غازية هدامة تأتينا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب وخصوصًا أننا محاطون بوسائل تواصل اجتماعي مفتوحة على مصراعيها وبشكل لا مثيل له مما يجعل الناشئة -فتية وفتيات- عرضة للكثير من المتلقيات والزخم الكبير من المعلومات الوافدة علينا والتي تحمل في طياتها سموم قاتلة للخلق والسلوك والوازع الديني والبعد عن المبادئ والقيم الأصيلة وبالتالي إن لم ندرك حقيقة وطبيعة الخطر المحدق والمحيط بنا سنصل مع الأسف الشديد لنتائج لن تكون مرغوبة ولن يحمد عقباها وستكون آثارها وخيمة ومخيّبة للآمال تجاه البلاد والعباد.
لذلك ومن منطلق الواجب الشرعي والوطني والأخلاقي لجميع المعنيين من آباء وأمهات ومعلمين بل وجميع فئات المجتمع ومن ثقافة أن حب الوطن والإخلاص له والعمل لرفع مكانته هو من أصل الإيمان بالله تعالى وأن يسعوا جاهدين لتكاتف وحدة الصف وشحذ الهمم وأن يكون هناك تعبئة فكرية وتوعوية مكثّفة توجه فيها البوصلة نحو جيلنا الصاعد لحمايتهم والنأي بهم عن شرور هؤلاء أشباه البشر الذين لا يسعدهم إلا الخراب والدمار ونصب العداء لكل ما هو إنساني؛ وعليه لابد من تخصيص الوقت الكافي لمراقبة صغارنا لما يدور في ذلك العالم الافتراضي ذي الفضاء الواسع والذي تتشابك فيه الثقافات المختلفة ومنها تؤتى بأفكار ورؤى ما أنزل الله بها من سلطان بل ومن كل حدب وصوب، ويتصارع فيها الصالح والطالح والمعقول واللامعقول وبعدها يصبح هؤلاء الأشبال قليلي الخبرة والمعرفة في مهب الريح.
ولكن لا نعني بكلمة مراقبة هنا أن نتصرف وكأننا لا نثق بالأبناء أو نبعث لهم برسائل من خلال ردود أفعالنا تجاههم بأنهم -لا سمح الله- فاشلون أو عديمو الفائدة فهذا بحد ذاته يعتبر نيلًا من إمكاناتهم وطاقاتهم وهو لاشك سلوكٌ لا نجني من خلاله إلا مزيدًا من الفرقة والتشتت وسنصل في نهاية المطاف إلى خسران الأبناء وتتسع المشكلة ويصعب حلها ولكن يجب وكما يمليه علينا المنطق والإحساس العالي تجاه تحمل المسؤولية في معالجة مثل هكذا معوقات أن تكون تصرفاتنا مكسوة بالمنطق والعقلانية وأن ندير الأزمة بهدوء وأن نحاورهم ونعظهم بالتي هي أحسن ونمتلك قلوبهم لكي نصل للمبتغى المراد الوصول إليه وهنا لا بأس أن نستذكر كلام الباري جل في علاه في سورة النحل [الآية ١٢٥] قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، إذًا فلا أفضل ولا أجود من إدارة الأزمات بهدوء وحوار بنّاء لنحقق أكبر قدر ممكن من النتائج المرجوة ما أمكن إلى ذلك سبيلًا.
إذًا لا يوجد عاقلان يختلفان إطلاقًا على أن الأوطان لا تُبنى بمعزل عن أبنائها؛ لذا ومن هذا الحديث نقول بأن الوطن لا يُعمر ويُشيد إلا بسواعد رجاله ونسائه ولهذا نرى حكومتنا السديدة -حماها الله- وباهتمام فائق من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- تجاه تطوير كل ما من شأنه أن يعزز السبل تجاه الحماية والوقاية والتحصين المستديم للركيزة الأساس أي الأبناء وهو الحرص على الوصول بهم لشاطئ الأمن والأمان من خلال تأهيلهم وتمكينهم ورعايتهم واحتضانهم بالتوجيه والإرشاد والتحفيز وزع الثقة تجاه ذواتهم والأخذ بأيديهم حتى يشعروا أنهم جزء مهم لمجتمعهم ووطنهم وأن نكون بجانبهم حتى يبلغوا من الإدراك مبلغ الرجال فيتبوأوا مواقع أصبحوا مؤهلين لها وتبدأ مسيرة التشييد والبناء لتكتمل مرحلة النماء ويكثر العطاء ويعم الرخاء أرجاء البلاد ونحلق بوطننا ورايتنا الخضراء حتى نعلو بمنجزاتنا وقدراتنا وعطائنا علو النجوم وعنان السماء.