بين السُمِّ والترياق «الحرب الناعمة»

تبهرنا تلك العبارات الناصحة لوهلة نعتقد أننا نجونا بأنفسنا وجُدنا بذواتنا وأخيراً فهمنا وتعرفنا على أنفسنا كما ينبغي!.

بعد أن تستيقظ النفس الداخلية وتكتشف أن هذا النفيس الذي تم دسه في الأذهان وتشبعت به الأفكار ما هو إلا سُم هارٍ يتصارع مع الترياق ويقاومه بكل صلابة فكر وعقل ودين إلى أن يصرعه مُنهَزِماً مُنجدِلاً.

وهذه من الأهوال التي من ورائها (الأموال) يتم بثها بيُسر وسهولة ونشرها والتصفيق لها بحرارة دون الكشف الطبي عما بها من اضطرابات وفقدان للهوية والأخلاقية وتصل إلى التجرد والتحلل من الإنسانية.

بالأصل هو يحتاج إلى التدخل السريع والمعالجة وإلا سيُدَمِر أحواله ومعتقداته ويقضي كذلك على فطرته السوية ويتشوه نقاؤه بزيفٍ من الأقاويل والأحاديث تحت هذا المسمى العابر (النصيحة) فيقوم بعدوى من حوله المقربين ويتوسع إلى أن يتعدى الحدود للخارج وهكذا مرة بعد مرة وتكرار نمط هذه الأفكار يكون الرضوخ والتقبل شيئاً طبيعياً وغير مستهجن اللعق بالعقول واللعب بها.

فليس كل من يملك لساناً منمقاً جميلاً ورائعاً يعني أقاويله صحيحة بل ما ينقصه هو من ضعاف المعتقد التشجيع ليُكمِل مسيرة الزيف المشاعري والانحراف، فهو يبرع بأن يدُسَ السُمَّ بالعسل ويُروِّجه إلى العقل ويتغذى به إلى أن يتشربه وبه يُقبَل ويُقتَنَع ونتآلفه بسبب عاطفتنا الرقيقة.

حاجته إلى ضِعاف المعتقد والفكر والتوجّه تعود لشعور الناصح المخادع بالنقص وليرتقي عليه أن يصعد على أكتاف هؤلاء دون محاذر ومخاطر يخشى منها.

حينما أسمع شخصاً يتحدث من باب النصح والإرشاد وهو واقعاً يهدم بيوتاً مستقرة ويستشري بأفكاره وتوجهاته الخبيثة جواً من القلق والتوتر والشك من المفاهيم المدسوسة التي ظاهرها إعمار وباطنها هدم ونزاع وانتزاع للاستقرار والطمأنينة والأمان، هنا أقف مشجوبةً لا محجوبةً وأسأل:

من أين لك معايير النصيحة وأمانة التوجيه والكلمة! من أين لك هذه الحكمة والعلم والفقه! مِن أيَةِ وسيلة وصلت لطريقة هذا الحل المغلفةِ بالأفعى والحرباية لفن الإقناع؟!

(أصحاب النوايا الحسنة ومحبو الخير والإصلاح والصادقون مستبعدون عن هذا الكلام).

[حاشية]:

(بالمعنى وليس بالحرف الواحد)

في يوم العاشر!
عندما كان الإمام أباعبدالله الحسين عليه السلام يتأمل شهداءه ويعاينهم بنظرة الرحمة والرأفة والتهنئة بنيل الشهادة والسعادة الأبدية، يأتيه صوت من بعيدٍ بين أطنانِ جيش عمر ابن سعد، ويقول: أضللتَ أخي يا حسين حتى قُتِلَ بين يديك! فيأتيه الجواب من سيد الشهداء والجنة؛ إنما هداهُ الله للحق ونجى وأنت من ضللت طريقك ونصرت الظلم والطغيان والتعدي.

– وهنا يكون الإمام الحسين عليه السلام وجهنا بطريقة غير مباشرة إلى معرفة الحق والباطل وتمييز الحسن من الرديء ولِنُمَيِزَ الخبيث من الطيب في اللحظة الآنية (هنا والآن، ماذا بعد؟!) بين حُثيثيات الكلام من ذلك الزمان إلى يومنا هذا!

(لحظتان الأخوين: لحظة أحدهما انتصر الدم على السيف، ولحظة الآخر لقى نفسه في شر النار الحاطمة).

(وهذا لن يفهمهُ إلا صاحب الفطرة السليمة والعقل السليم).

ونقيس على هذا ما نسمعه ونراه من قلب الحدث وزيف الحقائق ونقتنع به بكل بساطة ونعمل به جهلاً دون الرجوع إلى الأصل والجذر الحقيقي للمسألة!

– ألا نحتاج إلى وقفة ومراجعة مع النفس والذات قبل أن ننخدع ونتوه لا شعورياً ولا نستطيع ضبط زمام الأمور الفكرية والمشاعرية والاجتماعية والشرعية!

فإذن: للكلمة قوة وللكلمة تأثير من زيفٍ ونزاهة والكلمة منها أرواح تُقتَل وبها تحيا أمة.

فلننظر للبعيد فيما تركهُ لنا القريب في لحظتنا هذه!

أكثرهم لا يعقلون، أكثرهم لا يعلمون، أكثرهم للحق كارهون.

المقال مستوحى من موضوع (النصيحة بين السم والترياق) للأخصائي النفسي محمد سليس.



error: المحتوي محمي