حكاية ورقة.. 33

شعراء.. و ابتعدوا..
في كل جيل، وفي كل زمان..
هناك من يكتب الشعر فترة ما ثم يبتعد عن الكتابة لسبب أو آخر، رغم وصولهم لمستوى النضج الكتابي، وعمق التجربة..
وقد خصصت مشروعا يضم جمهرة من أولئك الشعراء تحت عنوان
“شعراء.. ولكن!!”
وأضع هنا نموذج لشاعر من رواد اللغة وأرباب الشعر الذين نمت قريتهم بالكثير من الوعي الأدبي والشعري

ومع الشاعر الأستاذ..
رضا الجزيِّر
من أدباء قرية التوبي إحدى قرى القطيف
هذه القرية التي أنجبت الكثير من الرموز الشعرية
كالشيخ أبي البحر جعفر الخطي (ت102‪8)
والسيد محمد الفلفل (ت1269)
والسيد محفوظ العوامي (ت1346)
وغيرهم من الشخصيات البارزة عبر العصور

أعود للأستاذ رضا الجزير
فقد كان أحد الزملاء في درس العروض الذي قدمه لنا السيد حسين الجراش عام 141‪5هج
كما أنه يتميز بذكاء فارع.. وذاكرة ثاقبة.. و ذائقة رفيعة جدا، لديه حافظة واسعة..
استفدتُ منه الكثير من خلال صداقتنا وعلاقتنا به
رجلٌ موهوب ومتفرد.
يعجبك بموسوعيته اللغوية والفكرية..
رغم تخصصه في اللغة إلا أنه منفتح على كثير من مجالات المعرفة العلمية والطبيعية
حقا فهو شخصية نادرة في زمننا المعاصر.
كتب الشعر برهافة حس.. وتقانة شفيفة..
ولا أدري سبب ابتعاده عن مواصلة الكتابة الشعرية
ومازلت أتذكر بعض أبياته الرائقة
وبين يديّ
مقطوعة خطية بيده كتبها في حب القطيف
يقول فيها:
يا سائلا ما في الجنان ألا ترى
دنياك فيها جنةٌ للسائلِ
فيها القطيف حدائقٌ ومناظرٌ
وفواكهٌ والخمرُ جوُّ الساحلِ
وهواؤها رسلا يسيرُ بخفةٍ
حمل النداوةَ من ربابٍ هاطلِ
والله قد جعل الملائك أهلها
فترفعوا عن كلّ أمرٍ باطلِ
طاعوا الإله وثبّتوا أقدامهم
سيرًا على نهجِ النبيِّ الكاملِ
وأئمةُ التوحيد نور صراطهم
من حيدرٍ حتى الإمامِ الباسلِ
هيَ جنةٌ والله لستُ بكاذبٍ
هيَ غايةٌ ونهايةٌ للآملِ
لو طال قولي واصفًا في حسنها
فهْيَ القطيف وفوق قول القائلِ
عندي من القول الذي لا ينتهي
وكفاني تقصيرًا بشيٍ كاملِ
لو رزتها يا سائلي لوَددتَ أنْ
تبقى بها والعمرُ ليس بزائلِ

ووجدت له نصا آخر بعثه لأحد شعراء التوبي قائلا..
و أشرقت الأشواق
جاءت هذه الأبيات على إثر قصيدةٍ للأخ العزيز حسين الشيخ(حبة الرمان) يتغنى فيها بالبساتين والورود وكان مطلعها:
يا هديلَ الورودِ جئتك شوقًا. وجميلًا لو تشعلين بهائي
القصيدة

بعثَ الشوقَ منك عذبُ الغناءِ
وبدا الحبُّ بعد طول اختفاءِ
كنتُ خبّأْتُه بروحي وكانت
مشفقاتٍ من حملهِ أعضائي
فتّشنْ داخلي فكليَ بالٍ
لا تُغرّنَّ صاحبي بالرُّواءِ
ليَ في الحب صاحِ عشرون عاما
عشتها بين جنةٍ وشقاءِ
وبساتينك التي كنت فيها
شاهداتٌ على خفيّ اللقاءِ
كان فيها تحرُّقي وانتظاري
وسروري بوصلها وبكائي
بذلت زهرها النديَّ إلينا
ورعتنا ببردِ ظلٍّ وماءِ
وتلقيت مصحف العشق فيها
فأنا في الهوى من الأنبياءِ
حُبيت كالجنانِ من كلّ شيءٍ
ثم فاقتها رتبةً في العطاءِ
تلك للملتقي أعدت جزاءً
وأتيحت هذي بغيرِ جزاءِ
كم تمنيتُ أن أخلد فيها
فهْيَ أشهى من جنةِ الأتقياءِ.

رضا الجزير




error: المحتوي محمي