في ليالي فصل الشتاء يطيب السمر، سهرة أحباب في الليل قرب نارٍ دافئة؛ أكل شهي وشراب دافئ ونكاتٍ طريفة. تمر الليلة أسرع من دقيقة، جلسات تقول عنها: ليت العمر كله هكذا أنس وبهجة. الاجتماع على رأس الساعة الثامنة إلا أن أحد الجُلاس لم يحضر! يدور السؤال بين الحاضرين: أين فلان؟ لم يحضر بعد؟! تأخر على غير العادة، لعله خير!
أهل الجنة أيضًا لهم جلسات سمر! فاكهة ونساء وملذات وأسرّة مريحة وكؤوس تدور بينهم، وفجأة يتذكرونَ أصدقاء أيام الدنيا؛ فلان وفلان وفلانة الطيبين ماذا جرى لهم؟ يا ترى أين هم الآن؟ معنا أم في الضفة الأخرى في النار والعياذ بالله؟ انفصلنا عنهم ولا نراهم في الجنة معنا!
يقفز في ذهن أحد الحاضرين: تعرفون يا جماعة أنه كان لي صديق في الدنيا ومع الأسف، انحرف عن الطريق الصحيح، وأنكر يوم البعث، وكان دائمًا يقول لي: هل تصدق هذا الكلام وتعتقد به؟ هذه الخزعبلات كيف تصدّقها؟ نموت ونصير ترابًا وعظامًا ونحيا مرةً أخرى؟! أنا لا أصدق!
يا جماعة ليتني أعرف أين هو الآن؟ وفي أية ظروف يعيش؟ اشتقنا إليه! أيها الأصدقاء، هل تستطيعون البحث عنه، ومعرفة حاله؟ يبحث عنه ويتفاجأ بأن يراه في وسط جهنم! أوف، أوف، صديقي أنتَ هنا؟ أقسم بالله لقد كدتَ أن تهلكني وتوقعَني معك في الورطة التي وقعتَ فيها! لولا لطف الله الذي لطفَ بي، لكنتُ اليوم من المحضرين للعذاب مثلك في نارِ جهنم!
يا صديقي: ألم تقل لي يوم كنا في الدنيا بأننا لا نموت سوى مرةً واحدة، وبعدها لا حياة أخرى ولا عقاب ولا ثواب؟ تعالَ الآن وانظر الخطأ الكبير الذي وقعتَ فيه! ها نحن أحياء وهنا ثواب وعقاب! لكن ما الفائدة وليس من طريق للرجوع مرةً ثانية؟!
القارئ الكريم والقارئة الكريمة هناك وصف بديع لجلسةِ سمر حقيقية في الجنة في سورة الصافات من الآية 40 إلى الآية 60 وما بعدها تقص حوارًا بين جلاس مؤمنين في الجنة وبين أصدقائهم في النار! السابق ليس تفسيرًا للآيات إنما رسالة فهمتها من الحوار وهي: لا تغتر بما يعتقده بعض الأصدقاء! سوف تضحك منهم في يومٍ من الأيام، على الخصوص أولئك الذين لا يؤمنون بالبعث والثواب والعقاب. بلى هو حقّ، فلا تستمع للأصوات التي تفوّت عليك جلساتِ السمر في الجنة.