كلما طرحنا أسئلتنا بوضوح .. كلما جاءتنا الاجابات أكثر من جيدة .. أن يمتد في عينيك ليل طويل لا تعرف كيف سيكون مآلك بعده .. أهو استيقاظ معافى ، أم نوم لا فجر بعده ..
أسئلة كثيرة ومربكة تتدفق فينا بوضوح ، وتقودنا لفكرة واحدة لعلها عامود المفارقات لهذا الوجود ..
ليس عن الدور وحده الذي نؤديه في الحياة ، فثمة أشخاص يؤدون أدوارهم كيفما اتفق أن تكون وبأي لغة كانت .. ومع هذا يجيزوا لأنفسهم ارتداء النجاح كمعطف يتباهون فيه .. وهذا النجاح لا يحمل في صيغته العافية المبتغاة .. لكن الأمر هو فيما تفرضه هذه الأدوار من مسئوليات تضعنا فيها تحت طائلة التحتيم والواجب .. واجب الضمير الإنساني وحريته باستقامة ..
فالحياة تقسم لنا أدوارنا فيها ، بنصاب سماوي معين، ومع هذا فهي لا تهملنا حين نكف عن السعي ونفضل الدخول في دائرة الكسل أو اللا مبالاة أو ما نسميه مجازا بالحياد لنبرر لأنفسنا سوءها وتقصيرها ..
ولنُعرفه ببصورة أكثر شمولية ، بأنه الدور الذي تجابهنا به الحياة فتطلبه منا إلزاما وبصورة ملحة ولا تتركنا حتى نسعى إليه .. إنه دور المظلوم في حضرتنا حين يحتاج للنصر .. دور بسيط وعابر ومتكرر ويحصل دوما ونحن شواهد عليه .. لكن أمر تقلده يبدو صعب جدا ، ليس لأنه غير ممكن ولكن لأننا لم نجبل على تمرين النفس عليه بحيث يمكننا أن نخطو ناحيته بخطوة ايجابية وبكلمة حق ندافع بها عن ظلامة أو حتى كلمة عابرة ومتاحة قد نقولها فنلقي بها عن كاهلنا ثقل تأنيب الضمير .
وفي قضايا أخلاقية كثيرة جدا تناولها القرآن تتحدث عن نصرة المظلوم بل والانتصار له والدفاع عن حقه كواجب في مواقع عدة ، فمثلا قصة نبي الله موسى حين استصرخه أحد المظلومين من قومه فنصره ودخل في دائرة قضايا أدت لتغيير جذري في حياته ، وهكذا كان الامام الحسين في منهاجه العميق يرفض السلبية ويسعى وراء موقف قلب سقف المعادلات كلها .. لعل شاهدنا فيها هو المبادرة للنصرة وعدم انتهاج السلبية .
وقد يجيء هذا الدور ولو بكلمة واحدة قد تغير سقف المعادلات المضطربة .. قد نفترض أننا نتجاوز بها أمور بالغة الأهمية بطريقة أو أخرى .. فمشكلة تجمعاتنا التي نعدها تجمعات بشرية ولها حتمياتها وقوانينها ونهجها ونسقها الاجتماعي وبنائها الثقافي أنها متذبذبة أو مائلة أو منسحبة للأسف ..
فالكثير من المواقف فيها تحتاج لمعالجات واضحة بفكرة نؤمن بها وبمجرد المرور وراءها نصبح في خط الضوء الذي نخوضه كتجربة ملزمين بها لا كرفاهية نتطلبها ..
أن يكون لك موقف واضح ورأي صريح ومباشر في هذا العالم ومع الاشخاص الذين تتعامل معهم ومع أغلب القضايا التي تجابهها فأنت في الخط الأخضر الذي يتصل بنبض كل شيء حولك ليحقق معادلة وجودك الصحيحة ..
السلبيات منفرة جدا حين تكون نواقص تلتحف بحياتنا ، حين لا نبدو على هيئتنا المكتملة .. فلا نحن في خط الظل ولا نحن في خط الشمس ، مذبذبين تماما لا موقف لنا ولا رأي ، وكأننا قطيع ماشية ترعى في الارض دون هدف أو غاية ، فمن أبشع الأمور جدا أن نفعل هذا وحين تواجهنا مواقف تحتاج لترميم بعد انكسارات عدة لا نحرك فيها ساكنا ، مع أن كل الامر يتطلب مجرد رأي، مجرد كلمة ، مجرد شعور أو انفعال ، مجرد موقف سيحسب لنا تماما أو حتى علينا .. فالخسران هو الايذاء .. ايذاء الآخر وإيذاء النفس التي لم ننصفها حتى في موقفها تجاه ما يمر عليها من هزائم وكسور ..
لذا علموا انفسكم أن لا تكونوا سلبيين تماما ، ولا انسحابيين في مواقف تتطلب الانتصار ، ولا أنانيين أمام فرصة التصحيح ، حتى لا تقتلوا الحياة بداخلكم ، الحياة التي وقودها الخير وصناعته في هذا العالم المهمل والمنسحب والمتسلل فوق قوس الأماني ليبدو باهت للغاية ..
ومهما تكن الامور مضطربة وخفيفة بلا ثقل موزون ، فنحن قادرون تماما على صنعها إن حركنا سواكننا بالقليل من الإلتفات والمرعاة وتفهم حاجة الآخرين لإنتصافنا لهم ولو بمزيج من المشاعر والاهتمام .. وإذا لتوقفوا تماما عن السلبية ، فالسلبيات تعدم انسانيتنا مرة بعد أخرى حتى نستحيل بسببها في ضياع وعدم ..