الإسلام السياسي (بشقيه السني والشيعي) مزج على الدوام بين منهجين يبدوان متعارضين، هما تكتيك الأخذ بمبدأ التقية السياسية ومهادنة الحكومات من جهة، ومنهج العنف والتآمر ضدها من جهة أخرى.
حركة الإخوان المسلمين التي تعد أشهر وأقدم وأقوى حركات الإسلام السياسي على الإطلاق، التي من عباءتها وفي محاضنها تفرخ أغلبية الحركات الإسلاموية (السنية والشيعية) وبما في ذلك التنظيمات التكفيرية والإرهابية هي مثال دال وساطع على ذلك.
كتب حسن البنا «وما لم تقم الدولة الإسلامية فإن المسلمين جميعًا آثمون ومسؤولون بين يدي الله العلي القدير عن قعودهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها». وفي موضع آخر ذكر «الإخوان المسلمين يعلمون أن أول مراتب القوة هي قوة العقيدة والإيمان، ثم تليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح».
غير أن هذا التوجه الإستراتيجي للإخوان المسلمين كان يخضع لاعتبارات المنفعة (التكتيك) السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية العليا. فعلى إثر إلغاء معاهدة 1936 في 18 أكتوبر – تشرين الأول 1951 في مصر، تحت ضغط المقاومة المسلحة للفدائيين ضد الإنجليز في قناة السويس، قال المرشد العام حسن الهضيبي الذي خلف البنا لمندوب صحيفة «الجمهوري المصري» في 25 أكتوبر – تشرين الأول 1951 «وهل تظن أن أعمال العنف ستخرج الإنجليز من البلاد؟.. أن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب وإعداده أخلاقيًا فذلك هو الطريق الصحيح لإخراج الإنجليز من مصر». كما خطب المرشد العام الهضيبي في شباب الإخوان قائلاً: «اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن الكريم»!. وقد رد عليه المفكر الإسلامي التقدمي خالد محمد خالد في «روز اليوسف» بمقال تحت عنوان «أبشر بطول سلامة يا جورج» نشر في تاريخ 30 أكتوبر – تشرين الأول 1951 قائلاً: «الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا لم يحركوا ولم يقذفوا في سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام في عشرة آلاف شاب قال لهم اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن، ولا تتورطوا بالقتال.
هذه الانتهازية والتقية السياسية، لم تمنع مؤسس حزب الإخوان المسلمين حسن البنا أن يكتب محرضًا «في الوقت الذي يكون فيه لكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها.. في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحر، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله». وفي موضع آخر يؤكد «ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم». ولتحقيق هذا المبدأ تشكل بصورة سرية «الجهاز الخاص». الطابع العسكري الحديدي للجهاز (الخاص) السري للإخوان المسلمين تمثل في نظامه الداخلي الذي ينص في المادة 13 منه «إن أية خيانة أو إفشاء سر بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة».
وقد تضمن كتاب أصدره محمود الصباغ أحد قادة الجهاز (السري) الخاص تحت عنوان «حقيقة التنظيم الخاص» معلومات خطيرة عنه، حيث يقول: «إن أعضاء الجهاز يمتلكون الحق من دون إذن من أحد في اغتيال من يشاؤون من خصومهم السياسيين.. إن قتل أعداء الله غيلة هو من شرائع الإسلام ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه ويقتله».
وقد جرى تطبيق ذلك بالفعل على أرض الواقع. أورد الكاتب الراحل عبدالله إمام في كتابه «عبدالناصر والإخوان المسلمون»، عرضًا لكثير من الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الجهاز الخاص للإخوان المسلمين في العهد الملكي التي شملت اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والقضائية مثل المستشار أحمد الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي باشا، إضافة إلى الشروع في تفجير دور السينما وإحراق مدارس البنات الثانوية والمسارح والمحلات التجارية ومحلات التسجيلات الغنائية الصوتية في وسط العاصمة المصرية.
للحديث صلة