لم تكن نهضة الإمام الحسين (ع) في أبعادها و أهدافها مقتصرة على مرحلة زمنية معينة ، بل هي تشخيص لواقع الظلم و الاستبداد متى ما وجد في أي زمان ، و لهذا أخذت بعدها التوعوي و التثقيفي في الأمة على امتداد الأجيال ، فكانت الجماهير متى ما واجهت طاغية استذكرت شعارات الحسين و قيمه التي يدعو إليها في مناهضة الطغيان .
و عين البحث و التحليل تدعونا إلى دراسة الظروف السياسية و الاجتماعية التي أحاطت بحركة الإمام الحسين (ع) و دوره في بث الوعي ، بعد أن شخّص الحالة المرضية للأمة التي يُرثى لحالها في ذلك الوقت ، فبعد أن كان يحمل شعلة القيم و مبادىء رسول الله و صحبه المنتجبين ، ها هو صاحب السلطة يتسنّم القيادة و يردفها باستهتاره و نزقه ، بما لم يعهده المسلمون إلا في مرحلة الجاهلية يوم كان الناس يعيشون حالة التيه و ضلال ، يمارسون الظلم والفواحش و فعل المنكرات بشتى أنواعها ، و هذا ما أرادته السلطة السياسية في ذلك الوقت لإشغال الناس عن الاقتداء بمشاعل الهداية في الأمة، و قد أخذت هذه السياسة بعدها في إرادة الناس الضعيفة عن النهوض بأي تغيير ، فآثر أكثر الناس الخلود إلى الأرض و حياة الدعة و كراهة القيام بفريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فضلاً عن مقارعة الظالمين و الوقوف بوجههم استنكاراً على ما يقترفونه من ظلم و استبداد و استعباد .
لقد كانت نهضة الإمام الحسين (ع) الباعث للأمة للحياة الحقيقية مجدداً ،، في وقت كادت أن تفقد هويتها و وجهها الثقافي بعد عمل السلطة السياسة لبني أمية على إفراغ الدين الحنيف من مضمونه و محتواه ، فأرادوا للدين أن يكون مجموعة من الطقوس يمارسها الناس دون أن يكون لها أدنى تأثير في فكرهم و سلوكهم ، فاستفاقت الأمة من سباتها على وقع التضحية والشهادة الرسالية في سبيل الدين والحفاظ على قيمه بعيداً عن مطاولة اليد الأموية له بالتحريف .