إنَّ النَّاقد، كغيره من أصحاب اليراع والفكر، لا بد له من توفر أساسيات، يتسم بها، حتى يستطيع تقديم رأيه لأي عمل، ومن أهم هذه الأساسيات، تأتي الموهبة.
إنَّ الشّعر -على سبيل المثال لا الحصر-، يحتاج إلى الموهبة، لكي يستطيع الشّاعر أن يُصيغ أبجديته شعرًا، أيضُا النَّاقد، لا بد أن يمتلك موهبة النَّقد، يعيشه في ذاته، ويُبصره من خلال عينيه، يُغذيه بالثَّقافة، والتي تجيء ثانيًا، بحيث يحتاج النَّاقد إلى هذه المعرفة عن الشيء، الذي سيُمارس النَّقد عليه، فإذا كان ناقدًا أدبيًا، فإنه يحتاج إلى معرفة اللّغة، والنّحو، والبلاغة، والمعرفة عن المراحل التاريخية، التي مرّ بها هذا الفن، الذي جاء على شكل نص، أو مُنجز، وإن كان ناقدًا مسرحيًا، أو كان ناقدًا سينمائيًا أو رياضيًا..، فينبغي أن يكون على معرفة، ودراية بما يتعلق بهذا الفن، حتى يُكوّن له اطلاعًا واسعًا، يُخول له الولوج في عالم النَّقد، ومُمارسته.
وعليه، فإنَّ الموهبة، ينبغي تغذيتها، وتطويرها بالمعرفة، والمران على تقنية المُمارسة النّقدية، بالإضافة إلى أهمية أن يتحلى النَّاقد بالثقافة العامة في مُختلف الفنون، والمعرفة الكبيرة، النَّاتجة عن الاطلاع المُتنوع على الكثير من الألوان الثقافية، فالاشتغال النَّقدي، يُمثل حالة إبداعية، يقُودها الإدراك لماهية النَّص، أو المُنجز، كون الإدراك، يأتي ناتجًا عن عملية الاستغراق، والباحث عن جوهرة المعنى، ورغوة الدفقة الشّعورية، التي نسجت لوحة، تعانقت زواياها، لتُعطي اشتهاء المعنى لدى القارئ، لا مُجرد قراءة، تتجه إلى استدعاء المعنى الظّاهري، لتُهمل التّفاصيل الجمالية الأخرى، ولا تُرهق ذاتها، لتُبحر في النًّص، أو المُنجز، لتقطف اللّؤلؤ والمرجان منه، وتضع أصابعها على مواطن الخلل، لتُضيء عينيّ الكاتب، الذي يسعى جاهدًا إلى الاستفادة من هذا البوح النَّقدي، ويبدأ مُجددًا من حيث هذا..
في النَّقد، أجدني أرمق اتجاهين لهما فاعلية في تناول المُنجز، وهما: ثقافة النَّاقد في شُرفتها النَّقدية، والتي تجيء من خلال الاطلاع على المناهج النَّقدية، والثَّقافة بشكل عام، التي تؤثر على تعاطي النَّاقد مع المُنجز.
وعليه، فإذا كان النَّاقد قارئًا نهمًا، مُطلعًا على المناهج النَّقدية، ولو بشكل يُسعفه على ممارسة النَّقد، لا الاطلاع التّخصصي، ولكنَّه الاطلاع الثّقافي لها، عطفًا على الثَّقافة العامة، فإن ذلك، سيُثري الحالة النَّقدية لديه.
وهنا من المُؤكد أنه لا بد أن يتحلى النَّاقد بزخم كبير من الثقافة المتنوعة على الصعيد النَّقدي، بالإضافة إلى الألوان المُختلفة من المعرفة، كون الأنواع الأخرى تجعل اتساع أفقه يأخذ مجراه طولًا وعرضًا، وهذا مما لا شك فيه، يمنح نقده الرؤية العميقة -من الضرورة بمكان-، فالنَّص، أو المُنجز، يأتي مُتقاطعًا مع الحياة، والثقافة، لذا النَّاقد المُتميز، ينظر إلى المعرفة والثّقافة، كونها زاده، الذي لا اكتفاء منه، فكلّما زادت، أصبحت رُؤيته النَّقدية الأوسع آفاقًا..
في الحياة الأدبية والثّقافية، وفي الحياة بمُجملها، نحن في حاجة فعلًا إلى الناقد والنقد، نحتاج إلى تفعيل الثقافة النقدية، وخلق مساحة توافقية، تتسم بهذا التقبل بين الناقد واليراع المُنجز، كلاهما يُكمل الآخر، وفي مُختلف الأشياء، فإن ثقافة التزاوج، تأتي ثقافة نوعية، امتدادها باتساع الأفق، سعيًا إلى التطور والرّقي، والظفر بالنص المُبدع، والمُنجز المُبدع.
وفي تناول النَّص، أو المُنجز، قد تجد من يُمارس النقد في وجهته السّلبية، والذي قد يتسبب في بتر الموهبة، فكما أن للنقد شُرفاته المُضيئة، ويأخذ باليراع إلى التميز، فإنه قد يخلق حالة من الإحباط، مما يُسبب ترهلًا في النَّص الأدبي.
وفي تناول النَّاقد للمحتوى، فإنَّ هذا يعتمد على كيفية مُعالجته للأشياء، وتعاطيه معها، وما يقُود إلى الانطباعية في هذا التناول، أو الشّخصنة، فالأجمل أن يكشف النَّاقد الشيء الذي لم يُقل، ويُكتب، تبعًا إلى الأمور المُتعارف تناولها فيه، أيضًا جماليات المُنجز، والتي تكون مقصدًا للنَّاقد، يُجدف لاكتشافها، ولا يقتصر في الكشف عن القصور أو النّاحية السّلبية، ليُكسر مجاديفه.
وعليه، فإنّٓ للنقد أهمية كبرى، تقع على عاتق الناقد، ومما ينبغي عليه أن يستوعب المُحتوى، ويتعامل معه، لا مع كاتبه، فينظر إلى المُحتوى بقلبه وفكره، لا أن يقوم بمُحاكمة النص، والمُنجز، وتوجيه الاتهامات إليه، كأنما الخطأ، الذي وقع فيه، جاء سببًا في توقف عقارب السّاعة، والبوصلة افتقدت قدرتها على تحديد الاتجاه.
الناقد له دور فعال في الرقي بالأدب باختلاف ألوانه، ويُعد شريكًا نوعيًا، يُضفي عليه لمساته، ويجعل ضوء الشّمس، يسقط على المُنجز، ليكتشف عمقه.
وتكمن أهمية النَّاقد إن أردنا تأثيثها، فإنَّ النَّاقد، يحمل بين جانبية رغبته الجامحة في الحفاظ على الذوق الأدبي والفني، والذوق العام على وجه العُموم، وليس أن يُسلط الضوء فقط على العيوب، لمتعته في تقصي العيوب، والانتقاص من الآخرين، فالرأي البعيد عن الإنصاف، والذي أخذ وقته مُنذ زمن، أنَّ النَّاقد مرآة، تستهدف العيوب، مما جعل العلاقة بينه، وبين صاحب اليراع شبه قلقة، وتنافر بينهما، إلى يومنا ثمّة يذهب لحرارة الشمس، يقطع المسافات، بعيدًا عن الظلّ، ليبتعد عن النَّاقد، الذي يقف في الظلّ، ليستريح هنيئة.
إنَّ النَّاقد في الحالة الإبداعية، يجيء شريكًا داعمًا في التطور، والرّقي، وعلى النَّقيض منها، ما نُعانيه حقيقة في الجانب النقدي، والذي يكمن في الأنا المُتضخمة، التي تقطع الطّريق على صاحب اليراع، فلا تكتمل ألوان قوس قُزح فيما يُنجزه، لتكون حاجزًا، يمنعه من الاستفادة من النقد، فلا يتألق، بالإضافة إلى المُجاملة في مُمارسة النَّقد، فقد يُجامل النَّاقد صاحب النَّص، والمُنجز رغبة أرادها أن تكون، وهذه مما يُسبب ترهلًا في المُنجز الأدبي أيضًا.
هذه الأنا المُتضخمة بالنّسبة إلى اليراع، تأتي سببًا رئيسًا في عدم التّطور، ليعيش صاحب المُنجز باختلاف ألوانه، ومنها القراءة النَّقدية حالة من النّرجسية الذّاتية، في حين أن المُبدع، يأتي دائمًا مُتوجسًا، قلقًا، يعيش حالة الشّغف في التّعلم، ويهفو إلى معرفة ما يدور في أدمغة الآخرين باتجاه ما يُبدعه، وقد تصل إلى مُستوى التذمر في مُقابل الرّؤية النقدية، التي يتعرض لها النص، أو المُنجز.
للنَّقد قيمته النّوعية، لذا أجدني أطرح سُؤالًا، مفاده: أيُّها الكاتب، كيف تجد علاقتك مع النَّقد والنّقاد؟
لا أنتظر إجابتك، الإجابة اجعلها تأخذ مسافاتها في ذاتك، ستستفيد منها في كتابتك الإبداعية، حقًا، وليس ضربًا من الخيال.