نحو نظرة إيجابية لدور الجمعيات الخيرية

تَحْرِصُ المجتمعاتُ البناءةُ المُثْمِرَةُ وَالفَاعِلَةُ على اتِبَاعِ ونهجِ كُلَّ مَا يُوْصِلُهَا إلى تحقيقِ مَا يَضْمَنُ ويُؤَمِّنُ لَهَا الْحَيَاةَ الكريمةَ.

وَتَسْعَىْ هَذِهِ المجتمعاتُ البناءةُ للوصولِ إلى هذا الهدفِ عبرَ تأسيسِ نظامٍ مُؤَسَسِيْ يَضْمَنُ ويحققُ هَذَا الهدف، ولمْ تكنْ مُجْتَمَعَاتِنَا بِبَعِيْدَةٍ عَنْ هذا النِّظَامِ المُؤَسَسِيْ ، وخيرُ شاهدٍ على ذلكَ مَا تَمَّ بَذْلُهُ وقامَ بِهِ الرُّوَادُ الأوائلُ مِنْ الآباءِ والأجدادِ، وحِرْصِهُمْ آنَ ذَاكَ في أَنْ تكونَ جُهُوْدهم وأعمالهم الخَيِّرةَ لها صفةُ الدَّيْمُوْمةِ و الاستمراريةِ ،وأنْ لا تقف لمجردِ غيابِ أصْحَابِهَا ومُؤْسِسِيْهَا لعجزٍ أوْ وفاةٍ أوْ إنشغالٍ ؛مُسْتَرْشِدِيْنَ في عَمَلِهِمْ بقولِ البَارِيْ جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[التوبة:60].

فوجود الجمعياتِ الخيريةِ في واقعِنَا الاجتماعي ، لهُ آثاٌر إيجابيةٌ لا يمكنُ القفز عليها أو تجاهلها أو الحدُّ مِنْ نشاطها؛لكونِ مَا سَوْفَ يترتبُ عليهِ غيابُ مثلِ هَذِهِ الجهاتِ الْخَدَمِّيَةِ ويتركهُ مِنْ نتائجَ و آثارٍ سلبيةٍ على المَعُوْزِيْنَ مِنْ الناسِ سواءً كانوا فقراءَ أو أيتامَ، لذلكَ حَرِصَتْ الدَّوْلةُ – أَيَّدَهَا اللهُ – في تفعيلِ و تشجيعِ وتنظيمِ ودعمِ هذا القطاعَ غيرَ الربحي ليكونَ لهُ دورًا مُسَانِدًا ومُكَمِلًا ، وهذا بطبيعةِ الحالِ مَا يتوافقُ وَيتماشىْ مَعَ مَا نَصَتْ عليهِ بنودُ المادةِ الثانيةِ مِنْ نظامِ الجمعياتِ و المؤسساتِ الأهليةِ الذي أَقَرَّهُ مجلسُ الوزراءِ رقم (61) وتاريخ 1437/2/18 هـ الذي جاءتْ بُنُوْدَهَا كَمَا يَلِيْ:
1 – تنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته.
2 – الإسهام في التنمية الوطنية.
3 – تعزيز مساهمة المواطن في إدارة المجتمع وتطويره.
4 – تفعيل ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع.
5 – تحقيق التكافل الاجتماعي.

وَقَدْ حددتْ بنودُ المادةِ الرابعةِ مِنْ هذا النظام أَيْضًا الطرقَ و الوسائلَ التي تَتَبِعُهَا الجهاتُ المعنيةُ المُشْرِفَةُ على الجمعيات الخيرية في تدعيمِ دورها و النهوضِ بهِ لكي تؤدي دورها المُنَاطَ على أكملِ وجهٍ وأحسنِ صورةٍ وهي كما يلي:

الوزارة هي السلطة المسؤولة عن شؤون الجمعيات والمؤسسات في حدود أحكام هـذا النـظام والأنظمة الأخرى ذات العلاقة ، ولها أن تتخذ ما تراه لازماً لتحقيق أهداف هذا النظام ، وعلى وجه خاص ما يأتي :
1 – الترخيص للجمعيات والمؤسسات.
2 – تقديم الإعانات الحكومية للجمعيات.
3 – الإشراف على نشاطات الجمعيات والمؤسسات ومراقبتها إداريًّا وماليًّا ، وتحدد اللائحة قواعد ذلك.
4 – العمل على تطوير الجمعيات والمؤسسات.
5 – تنظيم المؤتمرات والندوات في مجال العمل الأهلي أو المشاركة فيها ، ودعم البحوث والدراسات الخاصة بذلك وتفعيلها.
6 – البت في اندماج الجمعيات والمؤسسات أيًّا كان نوعها.
7 – وضع القواعد اللازمة للتنسيق بين الجهات الرسمية والجمعيات والمؤسسات ، داخل المملكة ، وفقاً لهذا النظام والأنظمة الأخرى.
8 – دعم ثقة المجتمع في الجمعيات والمؤسسات وتعزيزه.
9 – نشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع.
10 – وضع الخطط والأولويات للأنشطة والأعمال التي يحتاجها المجتمع ، وتكوين قاعدة بيانات منها يسترشدُ بها أعضاء الجمعيات وأصحاب المؤسسات.

لذلكَ سَعَىْ العاملونَ مِنْ المتطوعينَ في هَذِهِ المَنْظُوْمَاتِ إلى إيصَالِ المساعداتِ لِمُسْتَحَقِيْهَا بِمَهَنِيَّةٍ عاليةٍ خاضعةً لضوابطِ الشَّرعِ و الأنظمةِ التي تضعها الجهاتُ ذاتُ العلاقةِ المُخْتَصَةُ بعملِ هَذِهِ الجهاتِ الخيريةِ .
ولا يمكنُ إغفالَ حقيقةِ مَفَادُهّا أَنَّ هؤلاءِ المتطوعينَ سَوَاءً كَانُوا مِنْ الْمُتَصَدِيْنَ كأعضاءٍ مُنَتَخَبِيْنَ مِنْ الجمعيةِ العموميةِ أو متطوعينَ مِنْ خارجِ هَذِهِ المنظومةِ في كونِ الجميعِ يشاركونَ في تقديمِ الخدمةِ للمستفيدينَ دُونَ مردودٍ مادي يتقاضوهُ ،بَاذِلينَ الكثيرَ مِنْ الجهدِ و الوقتِ على حسابِ أُسَرِهِمْ و صحتهم مِنْ أجلِّ تحقيقِ خدمةٍ لهذا المستفيدِ أو ذَاكَ سعيًا منهم لنيلِ الأجرِ و الثوابِ مِنْ اللهِ ،وسائلينَ القبولَ مِنْهُ سبحانهُ مُتَّبِعِيْنَ وَ مُسْتَرْشِدِيْنَ بِقَولِ سيدِ وَلْدِ آدم النَّبِيِّ الأكرم مُحَمَّدٍ – صّلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ و آلهِ- حِيْنَ قَالَ : ( مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).
فَهُنَا مسؤوليةٌ مشتركةٌ لا بُدَّ مِنْ الجميعِِ المشاركةُ فيها و تَحَمُّلهَا و تَنْمِيْتُهَا ، فهيْ مسؤوليةٌ يتحملهَا هؤلاء المتطوعونَ عَنْ الباقينَ مِنْ أبناءِ المجتمعِ .
ولكي يَكُونَ هذا المتطوعُ أو المُنْتَسِبُ لهذا الصرحِ الخدمي فاعلًا ؛ عليهِ أَنْ يتمتعَ بقدرٍ عالٍ مِنْ المسؤوليةِ تجاهَ ما أُوْكِلَ إليهِ و أُسْنِدَ إليهِ مِنْ أمانةٍ ، وأنْ يضعَ نُصْبَ عينيهِ بأنَّهُ يمارسَ دورًا تَكْلِيْفِيًّا صِرْفًا ،وليسَ ليحتلَ مَكَانًا تشريفيًّا ،وأنْ يعملَ بحرصٍ على تصريفِ الأمانةَ و يوجهها الوجهةَ الصحيحةَ التي خُصِصَتْ لها. وأنْ لا يضيق صدرهُ و يتسعَ لأي نقدٍ أو استفسارٍ أو تصحيحٍ مِنْ قِبلِ المجتمع المحلي ، وأنْ يَكُونَ ملمًا بأنظمةِ و لوائحِ العَمَلِ التي تضبطَ بالضرورةِ العلاقةَ السليمةَ و المطلوبة بَيْنَ الجمعيةِ و المُسْتَفِيْدِيْنَ ، وأنْ يَكُونَ في تماسٍ مباشرٍ و دائمٍ مَعَ مجتمعهِ يتحسسُ احتياجاتهم و مشاكلهم مَا اسْتَطَاعَ إلى ذلكَ سبيلًا، و أَنْ يعملَ جاهدًا في تعزيزِ ثقةَ الداعمينَ بمزيدٍ مِنْ الشَّفَافيةٍ خاصةً فيما يتعلقُ بالشقِّ المالي و الألياتِ الْمُتَبَعَةِ في مَوَارِدِ صرفهِ.

وَهُنَا لا بُدَّ مِنْ التأكيدِ على المسؤوليةِ التي ينبغي أَنْ يقومَ بها أبناءُ المجتمعِ تجاه مَنْ يعملَ في هَذِهِ الصروحِ الْخَدَمِّيَةِ بالمبادرةِ بالتشجيعِ لهؤلاء المتطوعينَ وحثَّهُمْ و تسديدهم إِنْ لزم الأمر ،وتَلمُّسُ العذرَ لَهُمْ لتقصيرٍ غيرِ مخلٍّ حدثَ هُنَا أوْ هُنَاكَ ، و البعدُ عَنْ سوءِ الظَّنِ و المبالغةِ و تضخيمِ الخللِ أو التقصيرِ غير المقصود الذي بذر منهم ، لكي لا يؤدي ذلك إلى إحجام مَنْ يعمل على التراجعِ وعدمِ المواصلة ، و مؤدى ذلك في نهايةِ المطافِ إلى قطعِ سُبُلِ المعروفِ و تعطيلها، كذلكَ مِنْ الأهميةِ بمكانٍ أَنْ يتحلَِّّى أبناءُ المجتمعِ بالمعرفةِ والدرايةِ و الإلمامِ بالأنظمةِ و القوانينِ التي يخضعُ لها العملُ في مثلِّ هَذِهِ الصروح الْخَدَمِّيَةِ وَتَفَهُّمْ ذلكَ ، وأنْ لا يَكُونَ هنالكَ ردودَ فعلٍ سلبيةٍ و مُعَطِلَةٍ مِنْ قِبَلِ بعضِ الذينَ يسعونَ لإنجازِ فكرةٍ أو عمل خيري لمجردِ أنَّهَا لَمْ تُقْبَلْ أو تُسْتَكْمّلْ لضعفٍ أو عدمِ إلمامِ المتقدمِ لهذا العَمَلِ بالأنظمةِ وَ التعليماتِ الواردةِ مِنْ الجهاتِ الْمُشْرِفَةِ و الْمُنَظْمَةِ لعملِ هَذِهِ الجهاتِ الْخَدَمِّيَةِ.

فلنعملْ معًا سواء كُنَّا متطوعين أوْ مستفيدين أو داعمين أو أبناء مجتمع لتحقيقَ الأهدافِ التي أُنْشِئَتْ مِنْ أَجْلِهَا هَذِهِ الصروح الْخَدَمِّيَةِ و نسعى جاهدينَ لمراعاةِ اللهَ في قولِنَا و عملِنَا.

قالَ عزَّ من قائل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [ آل عمران 104]


الهوامشُ:

1- القرآن الكريم .
2- نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
3- صحيح البخاري.



error: المحتوي محمي