شبابنا وتحديّات العصر الحديث.. حقيقة لا خيال! ثقافة الغرب والتفاعل معها (2)

منذ سنوات عرفت منطقتنا أحداثًا مُلتهبة مُتسارعة غيّرت ثوابت دينية واجتماعية راسخة منذ أكثر من خمسة عقود شكلت عزة ومفخرة، حتى دخلت علينا العولمة في عقر صدورنا، واحتلت كل ما ضعف فينا، أنتجت شريحة ممن يستهويها الامتطاء أو السير وراء الفكر الغربي وتجاربه، بذريعة أنها أصبحت واقعًا في كل بلاد العالم، وأن التقدم العلمي الهائل والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات من سمات الغرب وأن التخلف والتبعية صفة ملازمة لمجتمعاتنا الإسلامية، وهذا انطباع سائد.

إن الأخذ عن ثقافة الغرب أو التفاعل معها لا يمكنه أن يكون سليمًا، فهناك توازن رائع بين الانفتاح والخصوصية، ومثل هذا التزاوج بين احترام القيم السائدة والانفتاح الواعي على ثقافات هذه الدنيا، من الغرب والشرق، يعني أن نأخذ ما يفيدنا ونترك ما لا يفيدنا. ونحن نعيش في زمن عولمي صعب تتغيّر فيه الأخلاق وتتبدل القيم، ورياح التغيير تهبّ من أكثر من اتجاه، بحجة أن التغيير سمةُ العصر، والمتحمسين للتغيير لا ينكفون على التحالف مع مكونات تلك الرياح التي تتعدّد اتجاهاً، هذا التبدّل الجارف في القيم والأخلاق والعرف السائد، كان له انعكاساته الطبيعية داخل المجتمعات الإسلامية، والذي يعنينا هنا ما يجري على ساحتنا الاجتماعية من تناقضات وأفكار وكل الفلسفات والأيديولوجيات التي يحملها بعض الفئة المثقفة المتطلعة إلى الانفتاح على قيم الغرب الفاتنة، فإذا فتحت جميع الأبواب باسم الحرية، فإن عدوى المرض الغربي ستنتقل إلى مجتمعاتنا بسهولة.

وإذا كان في الدين بأحكامه الشرعية والموروث الأخلاقي ما يساعد على مواجهة التحديات في بعض المجتمعات، فإن الحال في بعض المجتمعات يصل إلى مستوى الأزمة، فرؤيتنا للعالم الغربي يجب أن تنطلق دائمًا من أسئلة: من نحن؟ وإلى أين نسير؟ وكيف نسير؟ وإذا كان الناس يعرفون أنفسهم من خلال النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم والعادات والمؤسسات الاجتماعية، وإذا كانت العادات والتقاليد تشكل الهوية الثقافية لأيما مجتمع، يبقى المجتمع ذاته مضطرب الهوية ما لم يأخذ موقفًا نقديًا صارمًا إزاء الثقافة الغربية ومعرفة مدى مطابقتها مع معطيات واقعنا التي تقوم على ركائز الأخلاق والاحترام والمسؤولية الوطنية الاجتماعية، ونحن مع الثقافة التي لا تهمش المعتقد ولا تلغي الهوية، ولا يمكن لمثقفينا أن يكونوا محايدين أو متقاعسين تجاه ما يرونه من إخلال بثوابت الدين والحشمة والأخلاق، والخروج عن القيم والعادات والتقاليد تحت شعار مجتمع الحرية الفردية بكل أنواعها ومجتمع الحداثة والتحديث.

علينا أن نأخذ العبرة من تلك الشعوب التي أهملت أمور الدين، وتحررت من قيود الأخلاق، وارتكبت الخطايا، وانغمست في الذنوب، وراح جنون اللذة يستبد بألباب شبابها، فكان مصيرها سوء العاقبة والمصير. نحن هنا ندق ناقوس الخطر، فالمغريات تقابل الشاب والشابة أينما توجها، ومحركات الغريزة ومثيراتها متوفرة وكثيرة، لكن عقل الشباب إذا استعان بقوة الإيمان والتقوى استطاع بتوفيق الله وتسديد منه – تعالى – أن يغلب كل تلك المغريات والمحرّكات.

المجتمعات البشرية الهشة تنتقل إليها الأمراض المعدية كالجسد المريض، عدوى الأفكار والقيم وأنماط الحياة، وهناك من يقول الحل بالتحصين للمجتمع ويتم بالوعي والتربية وهذا حق، ولكن من أصول التربية أيضًا توقي أسباب المرض وليس إعطاء اللقاح المضاد فقط، فليس من العقل ولا الحكمة تعاطي أسباب الأمراض باسم الحرية الشخصية، ومن ثم القول حصن نفسك بالمضادات، إنها مغالطة مشبوهة، فضلاً عن أنها تجافي المنطق السليم. فالتربية تقوم على أسباب ترسيخ المفاهيم والعادات الصحيحة، وبنفس الوقت حظر ومنع ما يهددها ويدمرها، وإلاَّ فإننا سنبني بيد ونهدم بالأخرى، فمن التربية الصحيحة منع الأنماط الشاذة التي تذيب الشخصية والهوية، والضابط في كل ذلك قيم الإسلام والتي تمثل قوام الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان.



error: المحتوي محمي