جامعة الإمام مسلم بسنابس ترحب بكم

رن جوالي ونظرت للرقم وإذا به مجهول غير مسجل عندي، فترددت في الرد، لأني كثيرًا ما تصلني مكالمات بالخطأ، وفي ذات الوقت كنت متواصلًا في كتابة سطور لها علاقة بالفن التشكيلي، فلا أريد مثلما يقال قطع حبل الأفكار.

لكن طال الرنين حتى وصل لآخر نغمة، فما كان مني إلا رفع إشارة الرد الخضراء بتكاسل، وقلت نعم بتثاؤب كأني للتو أصحو من النوم.

فجاءني سلام ملؤه التحيات والأشواق، وطمأنة عن الصحة والأحوال، واستدرك صاحب الصوت، قائلًا: “ربما لم تعرف صوتي يا أستاذ، معاك محمد قاوز أحد طلابك القدماء، هل تذكرني” سرعان ما اعتدلت في جسلتي وقلت بعد جمل ترحيبية، لا أتذكر من “عائلة قاوز” ممن درستهم سوى المرحوم فاضل قاوز، شخص لن أنساه أبدًا، ربطتني به علاقة فنية وخدماتية يوم كان يعمل في الكويت.

قال لي: هذا أخي الأكبر، تبادلنا ترحمًا على روح هذا الإنسان المبتسم، جميل الخلق والخلقة، الذي رحل عن الدنيا في ريعان الشباب.
بعد لحظات من التواصل ارتسمت ملامح المرحوم في ذهني حتى انطبعت صورته أمامي لدرجة أن الذي أسمع صوته كأنه فاضل الغائب عن دنيانا وليس صوت محمد فالنغمة واحدة، وهيئة من يكلمني لم تحضر بعد في مخيلتي.

ثوان من الصمت فهو لا يريد مقاطعتي احترامًا، ثم أردف بكلام مسترسل: “إذا ما عليك كلافة يا أستاذي حابين نزورك في منزلك، أنا مع مجموعة من زملائي وهم طلابك، ونحن ضمن قروب بأعمار متقاربة، لا زلنا نذكرك ونفخر بك وبأمثالك، وسبق أن زرنا بعض مدرسينا الأجلاء الذين درسونا تحديدًا في المرحلة الابتدائية والآن جاء الدور لزيارتك، إذا ما عندك مانع يا أستاذ وإذا يسمح وقتك”،
قلت له على الفور: “بالعكس، هذا يسعدني ويبهجني، جيتكم على العين والرأس، حياكم الله في أي وقت تريدون” ودار حوار متداخل وأردفت: “هل تفضلون هذا الأسبوع”؟ قال: “هذا الأسبوع سوف نزور أستاذ ناصر عليوات”، قلت له مثمنًا هذا السعي الجميل “أبلغوا أبا حسين السلام نيابة عني، فقد كنت عنده قبل شهر تقريبًا، يا رب يمن عليه بالصحة والعافية، وبارك الله فيكم جميعًا، حسنًا فعلتم”.

انتهينا من الاتصال بعد دردشة متفرقة وأرسلت له الموقع حسب طلبه، واتفقنا على أن تكون زيارتهم لي مساء الإثنين في أول أسبوع من العام الميلادي الجديد 2023.

جاء موعد اللقاء عند الساعة السابعة والنصف، استقبلت طلاب الأمس رجال اليوم وعند المدخل احتضان وقبلات بامتزاج نبضات القلوب الصافية، جلسنا والابتسامات تكسو الوجوه، حاولت أن أعرف أسماءهم فردًا فردًا، أتأمل وأفرك يدي لعلي أقدح زناد الذاكرة، يبدو لي أن مغاليق النسيان أقفالها صدئة، جاهدت فعرفت عوائل ثلاثة من أصل تسعة أولهم (محمد قاوز) لأن ثمة تقارب بين هيئة أخيه المرحوم وكذا نغمة الصوت، قال لي بأن نصف قروبنا لم يحضر معنا نظرًا لمشاغلهم، قلت لهم أنتم فيكم الخير والبركة.

بالنسبة لبقية الحضور الذين تكحلت عيوني برؤياهم، ينتظرون مني تصويب أسمائهم، أمهلوني مليًا للتفرس في ملامح وجوههم أكثر، يلمحون لي بمواقف معينة مع زملاء مقاعد فصلهم، “فوكست” على هيئتهم الحالية بارتداد لتقاسيم وجوههم الطفولية علني أهتدي للاسم أو لقب العائلة، محاولات عجلى اجتهادية بإلقاء اسم عائلة ما من دون ثبت، عرفت واحدًا من الستة ولم أحرز تقدمًا أكثر لمعرفة الباقي لقد ضاع مني التخمين بإلقاء أسماء كيفما اتفق، تعالت الضحكات بأنفاس البهجة، ولسان حالي والخيال تائه في عمق السنين الفائتة.

كيف لي أن أستذكر وجوهًا غابت عن عيوني لما يقارب من 32 عامًا؟!، تخرجوا وهم أصغر جسمًا وأضعف بنية، وشعر يمتلئ كثافة فوق الهامات، وبأوزان ريشة، كانوا كالحمامات تحت رحمة الوالدين والمدرسين، إلى ملامح مختلفة تمامًا، بعضهم غادرهم شعر الرأس وزينت وجوههم بعارض وشارب، وبأجسام مكتنزة ويعيلون أسرًا وأنجبوا أطفالًا، فهذا صعب أن أتوصل لمعرفتهم، ولو قال بعضهم مازحًا لم تدرسني لصدقت.

ثم أتحفوني بأسمائهم الكريمة، وكأني بهم مع تلك اللحظات من سنين أعمارهم الأولى، أبناء السابعة وللتو يدخلون المدرسة يتهجون على استحياء نطق أسمائهم، ثم ينكفئون خجلًا بعد تصفيقات جماعية.

استرجعت أنفاس الزمن بآهات، وأوضحت لهم أنه من الصعب أن أتذكركم يا أعزائي، كم من الوجوه التي مرت أمامي من الصف الأول إلى السادس عبر تنقل بين ثلاث مدارس مختلفة، أسماء وألقاب لمجاميع هائلة من الطلاب على مدى أربعة عقود، ملامح تغيرت وأخرى تلاشت من البال، بقيت بضعة أسماء وضيعت أغلبها.

وكما يقال: الطالب لا ينسى أستاذه بينما المعلم قليلًا ما يتذكر كثيرًا ما ينسى والعمر خوان، نظرًا لمتغيرات وجوه طلابه من الطفولة للمراهقة وصولًا للشباب هذه الانتقالات البعيدة عن عين المعلم، بعد مدة من الزمن إذا رآهم لا يستطيع التعرف عليهم بسهولة، ويظن أنهم لم يمروا في حياته، ولأن نسبة المعلمين محدودة مقابل نسبة الطلاب العالية فحتمًا سينسى.

انثالت الذاكرة على مصراعيها وفي خضم الأحاديث كل واحد فتح جواله مبرزًا صورته القديمة وهو على مقاعد الدراسة الابتدائية مع زملائه، وأقول لكل واحد: قد يكون هذا أنت، ربما هذا فلان ابن فلان، وهذا نسيت اسمه، يمكن عائلته كذا، أخطئ وأخلط الأسماء ببعضها واضعًا عوائل مكان أخرى، تأتيني التوضيحات منهم وتتسابق الألسنة بتعريف اسمائهم ومن معهم، كيف كانوا وكيف أصبحوا، هذا مهندس وهذا معلم، هذا دكتور، وهذا طبيب حاصل على شهادة عليا من بريطانيا وهذا أخذ الدكتوراة من أمريكا، بينما هذا وهذا يعمل في قطاع خاص وآخر موظف حكومي، وهذا مع الأسف ظروفه قاسية لم يكمل الدراسة، وهذا توفي منذ زمن.

تداخلت الأسماء لدرجة التوهان، والتثبت يحتاج مني وقتًا طويلًا ومعايشة أكثر.

تسابق الحنين بالشوق لحجرات بيت مستأجر مكون من دورين وغرفة فنية ومكتبة على السطح، ردح وطلوع ونزول من وإلى فصول دار فيها الشرح والكلام والتسميع والتصحيح باصطفاف وتسابق ومزاحمة “أنا الأول، أنا قبلك”، ويعلو صوت المربي: “كل واحد يوقف بانتظام يا أولاد بالدور”، بريق الأناشيد بللت كل صدى ومزاح الطفولة تلون بغبار الطباشير، ساحة صغيرة حملت أحلام الطفولة الكبيرة.

بين لحظة وأخرى أعيد الترحيب بالأحباب وروح الغبطة تملؤنا جميعًا، كم أنا فخور بكم وبكل واحد منكم، وكيف أصبحتم، تغمرني السعادة بأنكم وصلتم بجدكم وكفاحكم لمراتب علمية ووظائف مرموقة، ربي يحفظكم جميعًا.

صدوقني أقولها بملء الفم: كل معلم وفي كل مرحلة وفي أي مادة وقف ذات يوم أمام أي طلاب يتمنى لهم مستقبلًا مشرقًا، وحين يبلغه بعد حين بشكل مباشر أو غير مباشر بأن أحد طلابه أصبح كذا وحقق درجات علمية عليا، حتمًا سيفرح ويبتهج كثيرًا ويعتبر أن هذا الطالب بمثابة ابنه، يخالجه الفخر بأن زرعه أثمر.

والعكس من ذلك إذا أحد من طلابه لم يكمل تعليمه أو لم يوفق لمواصلة الدراسة لظرف ما يشعر بالضيق والأسى، هذه المشاعر تنطبق ليس على المعلمين فحسب، بل على المعلمات، كلهم شركاء المنظومة التربوية التعليمية.

خلال الجلسة طلب ابني محمد أن يسمع من الحضور عن أجواء الدراسة أيام زمان كيف كانت؟
حينها أشعرتهم بأن يرفعوا الكلفة ولا يتحرجوا في قول أي شيء أو التفوه بعتب على جوانب معينة لما مضى، وأن يتحدثوا بتلقائية بصفتي صديقًا لهم الآن ولا أريد أن يسيطر على أذهانهم هيبة أستاذ الأمس باحترام مبالغ فيه، مؤكدًا لهم، خذوا راحتكم في الكلام، واستشهدت بالعلاقة المميزة التي تجمعني بالأخوين أبناء الجيراني؛ سعيد وحسن، وهما الوحيدان من كل مجاميع الطلاب الذين درستهم طوال 38 عامًا أصبحا صديقين مقربين لدي وعلى تواصل يومي معهما زادنا الفكر بضروبه، والفن بمجالاته، بل أعدهما من ضمن أعز أصدقائي بل اشتركت معهم في مشروعات فنية، ولا أنظر لهما البتة ولا لغيرهم بمنظار الأبوة الزائدة التي أنفر منها وليست من ثوبي، مستحضرًا الألفة الراقية التي يكون عليها الأب الحنون بالنسبة لأولاده إذا كبروا “إذا كبر ابنك خاويه” فأنتم إخواني الأعزاء خذوا راحتكم “البساط أحمدي”.

وقولوا لي كل ما في خاطركم، مثلًا اذاع أغضبت أحدًا فيكم عن غير قصد، أو مددت يدي سهوًا، سأعتذر له كل الاعتذار وجل من لا يخطىء!.

جاءني الكلام عطرًا كماء الورد، وأقتنص بعضًا منه “مادتك كنا ننتظرها بفارغ الصبر، كم قصة سمعناها منك، لا زالت راسخة في أذهاننا، ومواقف سارة في حصص الفنية باستعراض أعمال لفنانين عالميين لأول مرة نعرف أسماءهم وخطوطك الإيضاحية على السبورة تبهرنا، وتعليق رسوماتنا على الجدران تفرحنا واستعراضك أعمال لطلاب سابقين تحفزنا على الرسم أكثر، وكم نسعد حين تأخذنا إلى مكتبة أرامكو المتنقلة التي تأتي عند باب المدرسة، نصعد على متنها نقلب القصص ونستعير ماطاب لنا من كتب، ليت الزمان يعود بنا صغارًا، هناك أشياء وذكريات جميلة ورائعة معك يا أستاذ”.

شكرتهم بعمق، وأردفوا بقول أشياء مبهجة لا أتذكر مشاهدها، مثمنًا ما أسعدوني به، أنتم كنتم طلابًا رائعين، وفي دواخلي اعتراف ضمني، بأن كل إنسان صفحات دونها مع الآخرين.

بعد ذلك تداخلت ذاكرتي بذكرياتهم وتعددت المشاهد تلو المشاهد وانسابت المواقف المضحكة والطريفة ودارت التعليقات الظريفة.

المدهش أن أحد الحضور واسمه (جواد أبو حسين) كلما تحدث عن أحد من زملاء دراستهم ذكر أنساب عائلته، ابتداء من اسم الأب والأم مرورًا بترتيب الإخوة والأخوات، ومن تزوجوا، من أبناء فلان ويلتقون مع نسب بيت فلانه وكذا الأخوال والعمات وأسماؤهم كذا وكذا وينحدر نسبهم لعائلة كذا، سرعان ما ينفجر المجلس بالضحك، وأشاركهم تجملًا، لكني أثنيت عليه كثيرًا، مقدرًا لما يقول ووقفت إلى صفه، وقلت له ما شاء الله عليك أنت أحد النسابة الجدد في البلد، حقيقة فخور بك لعلك تذكرني بفلان وفلان الذين يمتكون القدرة على معرفة الأنساب، مؤكدًا لهم أهمية هذا المسعى على مستوى المجتمع ومدى تأثيره على حياة الناس.

أعزائي لاحظوا عند ورود خبر وفاة أي شخص يكتب في الصحف الإلكترونية تفرعات عائلة المرحوم ربما لغرض شمولية التعزية، لكن يعطيني فكرة أين تمتد عائلته مع عوائل أخرى، إن معرفة الأنساب أمر محبب سواء لذكر الراحلين بإحياء تمددات أنسابه وارتباطات أبنائه وأحفاده وتفرعاتهم قديمًا وحديثًا وكذا بالنسبة للأحياء، وكما يقال فيما معناه “لا تشتمن أحدًا قد يكون قريبًا لك من حيث لا تدري فتقع في حرج وكأنك تشتم نفسك”!.

وثمة أشخاص اهتموا بوضع شجرة عوائلهم وهذا نهج تراثي ديني، تقليد قديم علينا إحياؤه لما فيه نفع كثير بمعرفة الأصول وتمددات الأسلاف.

من حسن حظي تواصل معي الأخ جواد أبو حسين في اليوم التالي عبر الواتس من أجل تعريفي بشاعر مجهول دار الحديث حوله أثناء اللقاء، اسمه “جميل الحبيب” يقال بأنه لم يكمل تعليمه كان زميلهم على نفس مقاعد المرحلة الابتدائية وأحد الطلاب الذين درستهم لكني نسيته، ثم كتبت إلى جواد أبو حسين السطور التالية:
“أهلًا أبو حبيب، شكرًا لك يا عزيزي على تعريفي بشخصية شاعر لم أسمع عنه من قبل، سوف أطلع على قصائده فيما بعد.
أسعدتموني بحضوركم ليلة البارحة، كم أعجبتني شخصيتك الملمة بالأنساب والأقارب، هذه ملكة ليس كل واحد يمتلكها، ولا تلفت لتعليق أي أحد حين تسترسل أو تستذكر أصول العوائل، ابتسم لهم وعُد الأمر مجرد دعابة عابرة! واصل مثل هذه الأحاديث لأنها تعمق الترابط بين الناس مع بعضهم بعضًا، ليتعرف جيل اليوم أن مجتمعنا كلهم أهل في أهل، تجمعهم شبكة عروق متداخلة وكأنهم أسرة واحدة، وأيضًا أعجبني غوصك في ذاكرة الناس والأمكنة وهذا شيء رائع، أنت من طينة الأولين”.

ورد على كلامي بالآتي:
“رحم الله والديك الطاهرين، سعدنا بلقائك، وسماع صوتك، أنت من الأساتدة الذين حفر اسمهم في القلب ستبقى نابضًا فيه، والكل كان مشتاقًا لكم لولا الظروف لحضر معظمهم، ولكن الحمد لله الذي جمع بيننا وبينكم بعد طول غياب، شكرًا أستاذنا الغالي على حفاوة الاستقبال، وحسن الضيافة، كما سعدنا بلقاء ابنكم محمد الوردة “.

نعم -أيها الأحباب- جلستنا تناثر فيها الكلام بعذبه، وقلبنا الذكرى بحلوها ومرها، أحاديث تشظت حول الشطار والمشاغبين والهادئين، والضارب والمضروب والهارب، ومزاح الصف واللعب أثناء الفسح ولحظات الاصطفاف في الطابور، وتمارين الصباح والتفتيش على الأظافر وكلمات الإذاعة وأناشيد الفرح والحث على التطوع والاحترام والتقدير والتطلع للمستقبل.

نعم بكل سرور تماهت ذكرياتهم واختلطت مع ذاكرتي وامتزجت وتزاحمت بين جدل محبب ومشاهد تعاد كشريط سينمائي لسنين خلت، وكأني بهم أستعيد طفولتهم وهم يستعيدون ريعان شبابي ما أسعدنا باسترجاع أيامنا الحلوة، مستذكرين أغلب اللوحات التي نفذتها طوال تواجدي في المدرسة منذ نهاية 1402 إلى 1412 هجرية، وأغلبها وسائل تعليمية تقترب اجتهادًا من أجواء اللوحات الفنية، وكيف كانت تمثل لهم تسهيلًا لبعض الدروس لأكثر من مادة.

الأحبة زاروني بإلقاء التحايا وتأكيد أواصر المحبة والتقدير محملين بزاد من الشوق ونثر الحكايات، فكل واحد أدلى بدلوه بحكاية تارة بعزف منفرد ومرات ضمن الجوقة الجماعية.

قال أحد الحضور موجهًا سؤاله لي، لماذا أطلق على مدرستنا الابتدائية مسمى جامعة الإمام مسلم بسنابس، ولم يطلق على غيرها مسميات مماثلة؟!
جاوبتهم بقهقهة و”تمطق” في الكلام، هذا تشبيه يحمل صيغة المبالغة وجاءت على ألسنة من يعرفون طبيعة أجواء المدرسة وما تحفل به من حميمية بين الطالب والمدرسة وما بينهما الأب والمعلم، فمدرستنا ليس مدحًا فيها، وأقولها حقيقة حظيت بقائد مدرسة اسمه عبد الله يوسف أبو عبد الله(أبو عادل) -شفاه الله وعافاه- شغله الشاغل تقدم المدرسة علميًا بحرص على جلب المدرسين المخلصين الأكفاء.

فقد جذب أكبر عدد من المدرسين الوطنيين أبناء البلد، من وكيل المدرسة أستاذ محمد علي تلاقف إلى كوكبة من المدرسين المميزين كل في مجال تخصصه، الرياضيات: عبد الحسين سهوان وأحمد محسن ويوسف أبو عبد الله، والعلوم: أحمد العصيص، واللغة العربية: ناصر عليوات وحسين سالم، ومحمد رضي أبو عبد الله، بالإضافة لمدرسي الصفوف الدنيا، حسن الزين وعلي مضحي وعبد الرسول الصفار وعلي القديحي وحسن رمضان وعيسى الجبيلي ومدرس الرياضة علي العميري من دارين وغيرهم، كثير منهم يجتمعون عند المساء في بيت أحدهم لاستكمال التحضيرات ورصد الشهادات الشهرية وأيضًا لمشاهدة المباريات الرياضية، بالإضافة لانتقاء مدير المدرسة المعلمين من الإخوة العرب الرائعين في تدريسهم، يتمسك بهم ولا يفرط فيهم، وأبعد من ذلك، علاقته الودودة بهم تراه مديرهم أثناء الدوام المدرسي ويصاحبهم ليلًا حيث يحلو السهر معهم بلعب “الكوتشينة” وشرب الشاي كأنه ولي حميم، كاسرًا حاجز الرئيس والمرؤوس، فكان محبوبًا عندهم وهم يتبارون إخلاصًا على إخلاص في تدريس الطلاب، بالإضافة للأنشطة المنوعة كل شهر، من نشر صحيفة حائطية وإقامة مسابقات ثقافية بين الفصول وإبراز أسماء المتفوقين مع صورهم مطلع كل شهر “لوحة الشرف”، بالإضافة لإشراك أولياء الأمور في إنجاح أنشطة المدرسة اللا صفية من رحلات وإقامة ولائم، وإحياء مجلس الآباء والمعلمين بشكل عملي والتبرع ودعم بعض احتياجات المدرسة وتوزيع هدايا على المتفوقين عند نهاية كل عام.

كانت غرفة إدارة المدرسة أشبه بديوانية أوقات الضحى لرجالات سنابس خصوصًا كبار السن المتقاعدين، فهم أصحاب رأي ومشورة،
ترجموا حماسهم بدعم مادي لكل ما يخدم المدرسة من الناحية التعليمية.

الطريف حين يتوجه أحد رواد المدرسة ويستأذن من أهله أو ربعه يقول لهم: “رايح لجامعة الإمام مسلم، وأحيانًا جامعة عبد الله يوسف، وذلك للدور الفعال الذي قام به مدير المدرسة”!، وإذا أتى أحد جلاس الإدارة من الآباء لا يدخل ويداه فارغة بل محملة بطبق شعبي، “بلاليط، عصيدة، لقيمات”، بينما الشاي والقهوة والتمر جاهزون من منزل أبو عادل كل يوم لاستقبال أي ولي أمر طالب للاطمئنان على ابنه، إنها شراكة مجتمعية تلقائية من أصحاب الحي بترحيب مفتوح على مدار العام الدراسي من قبل مدير وإداراة المدرسة.

سميت جامعة لأنها جمعت قلوب أولياء الأمور وأبنائهم على محبة المدرسة وانعكس ذلك في كثير من الفعاليات ومزيد من الرحلات، جامعة لأنها جمعت مدرسين على مستوى عال من القدرة التعليمية وأنتجت طلابًا متفوقين وما أكثرهم، نعم هي جامعة لأنها خرجت أمثالكم أيها الأوفياء.

دندنة رؤوس بإشارة نعم وابتسامات وتعليقات من أحبتي بفخر واعتزاز بإطلاق على مدرستهم الابتدائية الجامعة لأن مكانتها عالية في نفوس من عرفها عن قرب وبالأخص الأهالي هم من أطلقوا هذا التشبيه المعنوي.

كتبت تعريفًا عن شخصية الإمام مسلم على لوحة بلاستيكية، وأخرى ترحيبية على لوح خشبي، (مدرسة الإمام مسلم الابتدائية ترحب بكم)، علقت اللوحتين الأولى داخليًا والثانية عند المدخل تستقبل الزوار، وكثير منهم يغير نطق العبارة ويقرؤها بصوت مسموع: (جامعة الإمام مسلم ترحب بكم)! عبارة تفخيمية لقناعة ورضا عند الأهالي لما قدمته المدرسة من جهود ملموسة وخدمات جليلة لأبنائها الطلاب، تميز واضح على جميع الصعد.

صور الأمس عادت في ليلة وضاءة باسترسالاتنا القديمة المتجددة الضافية محبة واحترامًا وتقديرًا، نسيت الوقت مع ثلة من الأحباب الذي امتد للعاشرة والثلث ليلًا، أي قرابة ثلاث ساعات، قاموا بالاستئذان وأنا جالس سارح بأحاديثنا الشيقة بانعكاسات مرايا السنين، طلبت منهم الجلوس ثانية! “قالوا زيارتنا ستتجدد بإذن الله” أحبابي على الرحب والسعة مكانكم القلب.

بكل كلمة جميلة وكل مشهد ذكروه أعادني لبدايات شبابي وسنين تدريسي الأولى. لقد أحاطوني بفيض مشاعرهم ورقة كلماتهم وأحاسيسهم النبيلة، غالبت الدمع وهم يقدمون لي هدية ثمينة ودرعًا تذكارية مطرزة بكلمات أدبية.

اصطففنا لأخذ صورة تذكارية وقد حفوني بجمال مودتهم، وصفاء نفوسهم.

وقفنا والابتسامات فيض قلوب بلقطات موزعة على أكثر من جوال، توسطت الأعزاء، أربعة عن يساري وخمسة عن يميني.
انصرفوا عني ولم ينصرفوا ظل صدى أحاديثهم عطر محبة تجوس ديار الذكرى وتطرق أبواب الأيام الخوالي.

قلبي في حالة طرب ينبض سعادة ونشوة، ما أجملكم أيتها النفوس الطيبة! وأثناء كتابة هذه السطور طلبت من جواد أبو حسين كتابة أسماء كل الأعزاء الذين حضروا وضمتهم الصورة ابتداء من اليمين لليسار مع ذكر وظائفهم إن أمكن حتى أثبتهم تمامًا في ذاكرتي، ابتداء من اليمين لليسار:
1- جواد حبيب علي أبو حسين (قطاع خاص)
2- يونس حسين عبد الله الجيراني (قطاع خاص)
3- مجيد علي الضامن (اختصاصي مختبر)
4- محمد عبد الله قاوز (موظف سابق بالقطاع الخاص وحاليًا أعمال حرة)
5- الأستاذ عبد العظيم آل شلي (مدرس متقاعد)
6- حازم معتوق القديحي (اختصاصي تقنية أسنان)
7- عمر محمد علي آل ربيع (موظف حكومي – وزارة الصحة)
8- إبراهيم محمد الضامن (إدارة مشاريع)
9- محمد عبد الرحيم الزريع (قطاع خاص)
10- توفيق عبد الله الكعيو لقبه تغير إلى العبد لله (قطاع خاص)

وأيضًا طلبت منه ذكر أسماء بقية زملاء قروبهم الذين لم يتمكنوا من حضور جلستنا، وهم:
11- أصيل أحمد القلاف (تمويل عقاري للقطاع التجاري)
12- حسن علي آل رمضان (قطاع خاص)
13- حسين علي تلالة تغير لقبه، آل رمضان (قطاع خاص)
14- علي حسن يوسف الماجد(موظف بنك)
15- حكيم سلمان مكي الضامن (شركة تأمين)
16- علي حسن حبيب الأبيض (قطاع خاص)
17- سيد محسن الهاشم (قطاع خاص)
18- مؤيد حسين الكواي (موظف حكومي بالميناء)
19- باسم أحمد يوسف جليح (الكلية التقنية بالدمام)
20- بسام عبد الله العبد اللطيف (وزارة الزراعة)
والشخص الأخير كانت لي معه حكاية ذات شجون،
حكاية لا تنسى وأغلب من حضروا كانوا زملاءه
في الصف شهودًا على ما جرى، لكن لم يعرفوا بتفاصيلها في المكان الآخر إلا حين سردتها لهم كاملة خلال جلستنا المعطرة بنفحات الذكرى، تواعدنا إلى أجل غير مسمى وعلى أمل أن نلتقي مجددًا لمشاهدة صورهم المكدسة ضمن أرشيفي المبعثر، بعرضها مكبرة عبر جهاز “البروجكتر” لنقلب المزيد والمزيد من صفحات مدرسة ابتدائية تقع شرق جزيرة تاروت، مكان يحمل أطيافًا ملونة ومعطرة بأريج الذكرى، مؤسسة تعليمية مميزة غالية على نفوس من تعلم أو درس في أروقتها وتحديدًا طوال زمن الثمانينيات الميلادية، والتي سميت تحببًا وافتخارًا بجامعة الإمام مسلم بسنابس.

يا أحبابي، قد ملأتم نفسي فرحًا وبهجة وسرورًا، شكرًا لكم من أعماق القلب لحضوركم البهي الذي سرق من عيني النوم حتى أذان الفجر، زيارتكم تاج على رأسي، بوركتم أيها الأوفياء.



error: المحتوي محمي