فن الحضور والغياب

(1)

قرر أن يتغيب عن العمل.. غاب اليوم الأول.. لم يسأل عنه أي أحد من الزملاء.. اليوم الثاني والثالث حتى أكمل خمسة أيام..

خلال هذه الأيام الخمسة كان الزملاء يؤدون مهامهم على أكمل وجه، دون أي تذمر من العمل..

في نهاية دوام يوم الخميس قال أحدهم: ليت زميلنا يأخذ إجازة شهر حتى نعمل في أجواء إيجابية.. انظروا كيف ننجز أعمالنا دون أي متاعب..
قال الآخر: يقول إنه سيتقاعد بعد سنتين!!

ضحك الآخر وقال: إنه متقاعد منذ خمس سنوات ولكنه تحت وقف التنفيذ.. حضوره أسوأ من غيابه.. عندما تجلس معه تجده يتحدث عن القرارات الإدارية، ونظام الترقيات والبدلات!! يتحدث معك في مختلف الجوانب العملية ويتفنن في كل شيء، ولكنه في الواقع لم ينجز أي مهمة تذكر.. ألم أقل لكم إنه تقاعد منذ سنوات.

قال موظف آخر: وهناك صفة أخرى يتميز بها وهي أنه سارقٌ الوقت، زارني ذات مرة وصار يتحدث ويتحدث حتى ضاع من وقتي ساعة في الاستماع لقضايا لا علاقة لي بها!!
جاء المدير وقال: ما قصة غائب.. منذ خمسة أيام لم يحضر؟!
قال أحدهم: ربما نسي أن يرفع طلب إجازة!!! لقد حدث هذا الأمر من قبل.. ألا تذكر ذلك؟!
قال المدير: هذه ليست المرة الأولى التي يتغيب فيها وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة!!

(2)
سمعت أن المدير في إجازة.. هكذا قال الموظف لزملائه..
قال أحدهم الحمد لله سيكون يومًا مريحًا..
قال الآخر يمكننا أن ننصرف مبكرًا..
قال آخر: كنت سأطلب إجازة.. أما الآن وبعد غياب المدير فلا داعي للإجازة.. فنحن الآن في إجازة..
ضحك الموظفون..
وما هي إلا لحظات حتى جاء المدير المكلف وقال: لقد اتصل بي المدير وقال:
هناك معاملة متأخرة منذ أسبوع، على الموظف (س) أن ينجزها اليوم قبل غد..
وقال أيضًا: اطلب من أمين المستودع أن يعيد تنظيم المواد المخزنة، عليه أن يضع المخزون الجديد خلف المخزون القديم حتى يستهلك المخزون القديم أولًا، ويمكن للموظفين استخدام طريقة First In First Out لمراقبة المخزون.

نظر الموظفون لبعضهم بعضًا، ثم قال أحدهم: وماذا أيضًا؟!
قال المدير المكلف: قال إنه سيراقب الحضور والانصراف عن بعد!!!

(3)
تعالوا نتعلم فن الحضور وفن الغياب من قصة نبي الله سليمان مع الهدهد، يقول تعالى: “وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ” النمل/ (20).

1/ إنه القائد الواعي اليقظ الذي يتفقد من حوله، ليس تفقدًا سلبيًا وإنما تفقد إيجابي، فهو واعٍ بما يدور حوله، وهو يسأل عن أحوال ومشكلات من يديرهم ويسهم في حلها.
القائد الذي يتفقد فاعلية إنجازات من حوله، وليس فقط يتفقد غيابهم.

2/ القائد الذي لديه مرونة في الجزاءات وقبول الأعذار” لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ” (21).

3/ القضية ليست في الغياب فقط، ولكن المهم بعد الغياب “فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ” النمل (22).

غاب الهدهد ولكنه جاء بالعجب العجاب (تقرير مفصل عن حضارة سبأ) وكان سببًا في تغيير تلك الحضارة.

ليكن غيابك لهدف، حتى لو كان للراحة ولكنها راحة (شحذ المنشار)، أن تعود لعملك وأنت في قمة النشاط والفاعلية.

باختصار:
نحن بحاجة إلى ذلك الشخص الإيجابي الذي يسبب حضوره سعادة وانتعاشًا ونشاطًا وحيوية..
كما أننا نحن بحاجة إلى غياب (إجازة) ولكن غياب الراحة الذي تعقبه فاعلية ونشاط.



error: المحتوي محمي