ابنتي في الصف الثالث الابتدائي، وقد قدّر الله أن أكون من يوصلها للمدرسة هذا العام؛ عند خروج الطلاب والطالبات من المدرسة يتجمهر السائقون أو الآباء أمام الباب، وكلٌ ينظر لذلك الباب وينتظر خروج ابنه أو ابنته أو من هو مكلَّف بإيصاله، ومن هذا الباب تخرج الأمهات أيضًا اللاتي تقوم بإيصال أطفالهن للمدرسة؛ إنه لأمر مزعج أن تقع كل تلك العيون عليّ، وما يزيد الطين بلة، أن أخرج وأرى سيارتي قد صدمت والفاعل مجهول، السيارة التي لم تأتني إلا عندما تذوقت أشد انواع الصعاب.
اتفقتُ مع ابنتي أن أنتظر خارج المدرسة في سيارتي وتأتي هي بحيث أنها تتخذ طريقًا آمنًا بعيدًا عن السيارات، كان دخولي للمدرسة قليلًا جدًا يقتصر على نسيان ابنتي لبعض الحاجات المهمة، عند دخولي للمدرسة أصادف بعض الطلبة والطالبات يتحلقون حول معلماتهم من حبهم لهن، العجيب بالأمر أن المعلمة العصبية الشديدة لها نصيب أيضًا من تلك الحلقات. لم أكن أتصور أن ذلك ممتع إلا عندما ذهبت لابنتي وتعرّفت عليّ زميلاتها وتحلقن حولي وكل منهن تعرف بنفسها لي، كان شعورًا جميلًا جدًا.
الأربعاء الفائت عندما طُلب منا الحضور في منتصف الدوام بسبب الأمطار، لم يكن بالأمر السهل أن أرفع رأسي من تلك الغفوة التي أطيّب بها خاطري قبل عودة أبنائي، ذهبتُ بوجه جاد ليس لي نية على الابتسامة أبدًا.
دخلت ورأيت الطالبات يتلهفن علي، تلك ترحب بي وتلك تخبرني أنها ربحت شيكولاته بمادة الرياضيات وتلك علكة، وتلك تأتي بأمتعتها من آخر الصف لترتديهم بقربي، وتلك تخبرني ما صنع المطر بسيارتهم، وتلك تشير لي (أنا هنا) وتلك تطيل النظر لي لتقع عيني عليها فتحقنني بجرعة ملأت قلبي سعادة بتلك الابتسامة اللطيفة على محيّاها،
أيحق لي أن أبقى عابسة الوجه بعد كل هذا؟! خرجت في ذلك اليوم منتعشة، ليت كل الأيام ماطرة لتنتعش روحي وتسعد، ندّعي أننا من نعلمهم الحب ولكن هم من يعلموننا إياه.
أحباب الله، كم أغبط المعلمات على حصولهن على هذة الطاقة كل يوم، قرار خروجهم في ذلك اليوم لم يكن بالأمر السيء كان فقط وقتًا مستقطعًا لتأخذ الأم المجاهدة من تقوم بإيصال أبنائها قسطًا من الحب والإيجابية من تلك الأطفال الصغيرة أصحاب القلوب الكبيرة، وما الذي سيضرنا إن جعلنا الخير ينبع من كل أمر يضجرنا، صدق الله -جل ثناؤه- عندما قال: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.. ).