أرجو أن يسمح لي القرّاء الكرام بدقائق قليلة من وقتهم الثمين في الحديث عن البراغي، أي نعم، ذلك المسمار اللولبي الذي يربط الأشياءَ مع بعضها، نصادفه في يومنا عشراتِ المرات! وسوف يجد – القراء الكرام – أنني استخدمته في هذه الخاطرة من أجل إيصال فكرة، لا من أجل إشغالِهم بما هو واضحٌ ومَعلوم.
مشكلة هذا المسمار أنه يتنوع مثل تنوع البشر حتى إن كل نوعٍ يحتاج إلى مِفَكّ – مفتاح خاص به – وإلا بدلًا من فك البراغي خلقنا مشكلةً أكبر. ويصدأ أيضًا، مما يصعب مهمة حله أو نزعه. مهارة فك البراغي يُحسد عليها كثير من الناس، يدهم ناعمة وأسلوبهم ليس فيه عجلة، سبحان من جعل لا شيء يستعصي عليهم!
والحقيقة أيضًا أن كل إنسان له مفتاح، وفي الناس من يكون منغلقًا يحتاج إلى فك عقدة الحديث والعلاقة. في حياتي العملية والاجتماعيّة لم أصادف أحدًا ليس له مِفك! الشاب؛ تمدح عطره، قميصه، قصة شعره، سيارته، إبداعه في دراسته وعمله وأشياء كثيرة. الكبير؛ جمال أخلاقه وعلمه وفضله والخطيب حسن صوته وجمال أدائه واللاعب مهاراته في اللعب وذكاؤه. وهناك مفك عام لكل الأصناف وهو “الابستامة”.
كلنا مهما كبرنا تبقى فينا نزعة الطفولة الجميلة التي تميل إلى المدح والمجاملة – ليس النفاق – ونريد أن يقبلنا الناس بشكل إيجابي. ونرتاح إلى من يخبرنا أننا ليس فقط مقبولين، إنما متميزين! ومن أجل نشر هذه الثقافة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إذا أحبّ أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه”.
سمها “مجاملة” أو “تودد”، وهي مسايرة الناس ومداراتهم والدخول إلى قلوبهم! وقد وصفها الإمام الصادق (عليه السلام): “مجاملة الناس ثلث العقل”. والإمام الكاظم (عليه السلام) قال عنها: “التودد إلى الناس نصف العقل”.
الرسالة من الفكرة هي التالي: في هذا اليوم درجة الحرارة 8 درجات مئوية، وكما يبرد الطقس تبرد المشاعر. الطقس تُدفئه الشمس، أما المشاعر فليس لها إلا القلوب تدفئها وتعيد لها حيويتها. وللقلوب مفاتيح بعدد أصناف البشر، جربها ولا تكسرها فإن كل شيء يمكن إصلاحه إلا القلوب!
يقول الخبراء في سيكولوجية المجاملات بأن كلمةً لطيفة تقطع شوطًا طويلاً! وتظهر الأبحاث أن المجاملات غالبًا ما تجعل المتلقين يشعرون بتحسن أعظم مما يتوقعه معظم الناس وتعمل المجاملات أيضًا على تحسين الحالة المزاجية لمانح المجاملة. جربها، إذا جلست مع شخص لا تعرفه، أخبره أن لون سترته الشتوية جميل جدًّا وأن جمال لونها متناسق مع جمال هيئته! تستغرق عملية التبادل بالكامل أقل من 30 ثانية، لكنها تشعركمَا بالارتياح، وقد تنشأ صداقة طيبة!