تداول الناس في الفترة الأخيرة مقطع فيديو لأب يحضّر الحليب لطفله الصغير في مناسبة عامة بين أصدقائه.
(حسن النمر) شاب في مقتبل العمر يستحق أن يكون الأب القدوة، يعجز القلم على أن ينعته بكل أوصاف الرجولة، كما أنّ التّجرد من غَطْرَسَة التعصب الذكوريّ والنسويّ لا تفسد لحنانه الأبويّ قضية.
للأسف الشديد قد صاحبت هذا المقطع كلمات المثل الدارج (راحت رجال ترفع الدروازة وجتنا رجال المطنزة والعازة) مما يُعطي فكرة سيّئة عن واقعنا التربوي مع وجود من يحمل مضامين خاطئة في التربية، ويضع مقاييس ليست بعادلة تقيس حجم مسؤولية المربين.
نعمَ الأب هو حسن! أتوقع أن جميع من انتقد هذا الأب يعاني من عقدة (أنا رجل ولستُ امرأة) وهذا هو التعصّب الممقوت، أو هو من فئة الذين يتشدقون بالرجولة بينما تُغسل أشرعتهم خلف الكواليس.
حقيقة أتعجب ممن ينتقص من شأن رجل يهتم بأمر أولاده أيًّا كان نوع الاهتمام، وكأنّ الاهتمامَ بشؤون الأولاد ورعايتهم قاصرٌ على الزوجة.
هذا المشهد الممتلئ بالعطف والحنان يُحسب لصالح الأب الإنسان، كما أنّ انتشار مثل هذه المقاطع الممتلئة بالحبّ تُصيغ العلاقة الأسريّة والزوجية بأبجديتها الصحيحة، وتُصفّي العقول من شوائب مياه الجاهلية الراكدة.
من جهة أخرى، فإنّ انتشار هذه المواقف الإنسانية يُفسح المجال لإظهار نماذج ذات سلوك راقٍ تؤمن بأنّ تربية الأبناء إنّما هي عمليّة تكاملية يتقاسمها الأب والأم وليست مقتصرة على الأم.
ومن هنا لابد أن نطرح سؤالًا مهمًا وهو: أيّهما أدعى للانتشار والظهور على مواقع التواصل الاجتماعي صورة أبّ يعنّف أبناءه أم صورة أب حنون يُعدّ الطعام لأسرته؟!
وهل هؤلاء الآباء الذين يحجمون عن خدمة أبنائهم وزوجاتهم أفضل من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وقد وصفته بعض أزواجه فقالت: كانَ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.
هي دعوة لانقراض النّماذج المختلّة عقليّا التي تمارس العنف الأسري بشتّى أشكاله على أفراد الأسرة، وتضع الأم في موضع الخادمة والمربية دون أدنى اهتمام لمشاعرها الإنسانية عند البعض، وهذا ما نأمل زواله جملة وتفصيلًا. في الوقت الذي لا تُعد فيه مساندة الرجل لزوجته سوى واجب إنساني لا ينتقص من رجولته بل يزيده شرفًا وعلوّا وأجرًا عند الله تعالى.