من القديح وصفوى.. «جود كربلاء» تتوّج الخُويلدي والغريب بالرابع والسادس في نسختها الثامنة

حقق الشّاعر حسن الخويلدي من بلدة القديح بمحافظة القطيف المركز الرابع في مسابقة الجُود بكربلاء للقصيدة العموديّة في نُسختها الثامنة، بقصيدته “راهبٌ وَدَيْرُهُ النهر”، فيما فاز الشّاعر ياسر الغريب من مدينة صفوى بمحافظة القطيف، بالمركز السادس بقصيدته “فهرسة الماء” في ذات المسابقة.

واختُتِمت المسابقة التي يرعاها قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة العباسية بالتعاون مع جامعة الكفيل بفوز عشر قصائد من أصل (‌‏89) لشعراء من داخل العراق وخارجه.

وقال عضو اللجنة التحضيرية للمسابقة السيد مهند مصطفى جمال الدين: “إن العتبة العباسية المقدسة، تصدّت في زمن ضياع الثقافة وسيادة التفاهة، لإيقاد الشموع في الظلام الطويل برعاية مثل هذه المسابقة”.

وأضاف أن الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة، وقفت في صفّ الشعراء وانتصرت للقافية والشعر”.

وتهدف المسابقة إلى خلق منافسةٍ شعريّة عالية المستوى، من أجل بيان عظيم الفضل والمنزلة لأبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، ودفع المختصّين في مجال الشعر العموديّ من النخب ذات التاريخ الناصع المعروفة بالجدّية والرصانة في الغاية والمضمون، ولبيان العناية الكبيرة التي تكنّها العتبة المقدّسة لكلّ ما يتعلّق بالإمام العباس (عليه السلام).

القصيدة الفائزة
راهبٌ وَدَيْرُهُ النهر

دَنَا شفيفًا
كأن لم يمتلك صُوَرَا
وقالَ للنهرِ : إني الربُّ كُن بَشَرا

– بنى على الضِّفةِ العَميا بصيرَتَهُ
– واختارَ للماءِ لما خاضَهُ قَدَرَا

النهرُ أعمى
ومذ ألقَ القميصَ على أجفانهِ
فزَّ مذعورًا وصار يَرى

يمشي الهوينى
خطاهُ نَغْمُ موسقةٍ
والشطُّ يُنصتُ ما هذا المَقَامُ تُرى؟!

ما زالَ يحملُ في الأضلاعِ خيمَتَهُ
وطفلةً قَلبُها من جمرهِ استَعَرَا

وأوقفَ الوقتَ!
صلَّى ركعتين بقلبِ العلقميِّ
وصلَّت خلفَهُ الفُقَرَا!

(يا نفسُ هوني)
فلا العباسُ يشربُ من معينهِ العذبِ
كي يروي حشًا فُطِرا

مدائنٌ من عُطاشى فوقَ وَجنَتِهِ
إن صحنَ ظمأى أراقَ العينَ وانهمرَا!

قد ألبسَ النهرَ من أثوابِ قِربتهِ
وعلَّق المجدَ في آذانهِ عُمُرا

وصارَ يبذرُ في الأنحاءِ غيرَتَهُ
حتى تورَّقَ ميدانُ الإبا فَخَرَا

هناكَ عبَّدَ دربَ العودِ مُحتزًما
وكلما بانَ طيفُ الخيمةِ ابتشرا

هناكَ أسرَعَ في المسرى (مُطَهَّمُهُ)
يطوي سماواتِه قبلَ انطواءِ ثرى

أدارَ بوصلةَ المجهولِ في يدهِ بأسًا
ونحوَ مرايا المنتهى عَبَرا

من عالم الطينِ نحو الغيبِ
يعبرُ بينَ عالَمَينِ
لِذا لم يلمحوا أَثَرَا!

– لا تُغضبوهُ
إذا ثارت حَمِيَّتُهُ فسوفَ يُنزِلُ في أوساطِكم سَقَرَا

هذا أبو الفضلِ
لا موتٌ يُساوِمهُ على البقاءِ
ولا يدنوهُ مُعتَذِرَا

لا يُتقنُ الشعرَ
لكن حينَ زينبُهُ تلوحُ
يُبدُعُ خلقَ الشعرِ والشُعَرَا

محرَّزٌ من دعا أم البنين لَهُ
فقلبُها في عروجِ الأمهاتِ سَرى

أكان يُشهرُ سيفًا مِن مهابتهِ
والكافُ والنونُ مِنهُ اسَّاقطت سِوَرَا

الأرضُ جائعةٌ
– أهدى الكفوفَ لَهَا
فأطعمتها من الجودِ الذي شُهِرَا

والسهمُ
كانَ مُريدًا عندَ حضرتهِ
لذاكَ قبَّل من عباسِهِ البَصَرا

هوى على التُرب مخضوبًا بهامتِهِ
كأنما قد هوى التأريخُ مُحتضِرا

ورايةُ البأسِ فوقَ التُربِ قد كُسِرَت
ومذ رآها حسينٌ ظهرهُ كُسِرَا

هل أدركَ السبطُ عبَّاسًا بمصرعهِ
(والشمسُ لا ينبغي أن تُدرِكَ القمرا؟!)

القصيدة الفائزة

فهرسة الماء

ألقاكَ في الضِّفَةِ الأخرى منَ المعنى
طيفًا أقاربُ فيهِ القلبَ والذِّهنا

تُلقي على الدَّهرِ ظلًا لاحدودَ لهُ
من الخلودِ، وتمضي دونما تفنى

مازلتَ تزرعُ في الآمادِ ( أنسنةً )
فيستفيقُ عليها موعدُ المجنى

قل لي – فقدْ حَيَّرَتْنِي فيكَ أسئلةٌ –
يامنْ علا في فضاءاتِ الرُّؤى شأنا:

من فرطِ ما استعرتْ رؤياكَ واشتجرتْ
هل هذهِ كفُّكَ اليُسْرى أم اليُمْنى؟

أهذهِ قِرْبَةٌ أم أنها كَبِدٌ
حرَّى تُصَالي عذابَ العالَمِ المُضْنَى؟

للطفِّ ذاكرةٌ مرَّ الزمانُ بها
قرنًا يطارحُ في أبعادِهِ قرنا

كأنَّ عزمَك بينَ (المروتينِ) سعى
كي تحملَ النهرَ نحوَ الخيمةِ الأسنى

حملتَ أمنيةً بالشوقِ مترعةً
لم تلقَ إلَّاكَ – يا ساقي المُنَى- حضنا

لكنَّها أُفْرِغَتْ من فيضِها أسَفًا
كالدَّارِ مُوحِشَةً أمستْ بلا سُكْنى

ما أقربَ النهرَ من كفٍّ ومن شَفَةٍ!
كأنَّمَا قابَ إبراقينِ أو أدنى

لكنْ حوى ثغرُكَ الإيثارَ مقتنعًا
وافترَّ عن بسمةِ العرفانِ، وافتنَّا

يا منْ وضعتَ لهذا الماءِ فهرسةً
مِنْ بَعْدِ ما صُغْتَ من أسرارِهِ المَتْنَا

فليقرأ الكونُ في شتَّى مداركِهِ
ما خطَّهُ قلبُكَ المعطاءُ واستنَّا

لا لونَ للماءِ.. إلَّا حينَ تمسكُهُ
يزهو ويُزهرُ من سِيماكَ كالمَغْنَى

لم تستعرْ طاقةً يومًا وموهبةً
إلَّا من اللهِ .. من أسمائِهِ الحُسْنَى

فليسَ بدعًا إذا أنفاسُكَ اتَّجَهَتْ
إلى اليقينِ تحثُّ الرَّحْلَ والظَّعْنَا

من ذا يضارعُ في دُنياكَ تضحيةً؟
ومن كمثلِكَ يبني للفدى حِصْنَا؟

وأنتَ أنتَ فروسيُّ الضِّياءِ، وكمْ
تجتازُ فاصلةَ الليلِ الذي جَنَّا

ما لحتَ يا أيُّها (العبَّاسُ) في خلدي
إلَّا وكنتَ لذاتي العينَ والأُذْنَا

أهديتني (المنَّ والسَّلوى) على شرفٍ
وما برحتُ إلى عينيكَ مُمْتَنَّا

شاطأتُ فيكَ معاني الحبِّ قاطبةً
فما أجلَّ النَّدى الضَّافي وما أغنى!

علامةٌ من علاماتِ الهدى جعلتْ
من شخصِكَ الفذّ بينَ الخَلْقِ مُسْتَثْنَى

ألستَ للشَّمسِ في الأفْقِ المنيرِ أخًا
وفلذةً للسماواتِ العلا وابْنَا؟

ما كانَ عمرُكَ يومَ (الطَّفِّ) مُنْصَرِمًا
بلْ مدَّهُ اللهُ في تكوينِهِ مَثْنَى

ولم تزلْ ما ورائيًّا تمرُّ على
صمتي؛ فتخرجني من عُزْلتي لَحْنَا

مقدارَ ما أدمعي انثالتْ مُضَاعَفَةً
علَّمْتَني كيف أطوي الهَمََ والحُزْنَا!

أتلوكَ في ذُرْوَةِ الإحساسِ، تصحبُنِي
حمامةٌ حملتْ في ثغرِهَا غُصْنَا

كم تستثيرُ مرايا (كربلاءَ) دمي
وكم رأيتُ بها ما جاوزَ الظَّنَا!

و(كربلاءُ) مكانٌ مُطْلَقُ أبدًا
كأنَّمَا الدَّهْرُ لم يُطْبِقْ بهِ جَفْنَا

شوقًا (أبا الفضلِ) شوقَ الوالهينَ إلى
سقياكَ، فلتسقني من جودِكَ الأحنى

ألقاكَ في صبغةِ اللهِ التي اتَّحَدَتْ
فيها الحياةُ من الأقصى إلى الأدنى

أدركتُ فيكَ مدى الإنسانِ منفتحًا
على المروءةِ، لم تقبلْ لها غَبْنَا

بلى، وفيتَ، كما قاسيتَ من ظمأ
تنهلُّ ذكراكَ في وجدانِنَا مُزْنَا




error: المحتوي محمي