جلس وحيدًا حزينًا يشكو أحزانه لله تعالى: يارب أشكو لك ابني الذي يجاهر بمعصيتك في الوقت الذي يضجُّ إخوته بطاعتك.
نَادَاه من تحته: كان لنبي الله يعقوب -عليه السلام- أحدَ عشر ولدًا يعصون الله ولم يسأم من الدعاء لهم، واستمرّ ابن نبي الله نوح -عليه السلام- في طريق الضلال حتى أغرقه الموج، لست بمفردك في هذه المنظومة المؤلمة، وتأكّد أن الأرض لا تقدّم المحصول الطّيب فقط؛ لذلك نستطيع أن نتخلص من أدران التفكير المظلم ونمنح أنفسنا فسحةً للخروج من تلك الكهوف المظلمة، فثّمة نور يخالط أرواحنا ويخلق علاقة راقية بيننا وبين السماء السابعة.
ما يثلج قلب المرء أن يُحاط بأبناء مثل وريقات الورد يكسوها ندى الصباح تفوح منهم رائحة ذكر الله تعالى، ويسعون لرضاه تعالى، يقاومون حبائل الشيطان ويقطعون أواصر صداقته، فترتاح القلوب وتنام العيون على رياش الاطمئنان وراحة البال.
فالابن الصالح نعمة عظيمة في حياة المرء، تاج يرتديه والداه، وعنوان فخر لأسرته في الدنيا ودرع حصينة في الآخرة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ميراث الله -عز وجل- من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده”
على عكس ذلك الابن السيء الخلق والدين فهو يهدم الشرف كما وصفه أمير المؤمنين -عليه السلام- حيث قال: “ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف”.
إنّ أبناء نبي الله يعقوب وابن نبي الله نوح يتناثرون في طرق متعددة في زماننا ويظهرون في حياة الآباء الصالحين، فتجدّ الأب المكسور بمعصية ابنه، ونرى دموع الأم المكتئبة بسبب ابنتها التي تجاهر بسلوكيات دخيلة على أسرتها الصالحة.
ويمكن القول بأنّ وجود نماذج سيئة من الأبناء في أحضان الأنبياء تخفيف ألمٍ لجميع الآباء الصالحين الذين ابتلاهم الله وامتحنهم بأولاد غير صالحين، خرجوا من بيوت صالحة، وسلكوا عكس اتجاهها، وقد تعب الوالدان في تبصرتهم وهدايتهم نحو طريق الله.
فهل يُعد الولد غير الصالح عدوًّا لوالديه؟! أم هو فرض ابتلائي وضعه الله في طريق عباده الصالحين؟
يقول الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ” (التغابن: 14).
إنك تسعى جاهدًا لتربية أولادك التربية الصالحة وتهبهم كل وقتك وجلّ اهتمامك ولكنك لا تضمن هدايتهم “إنك لا تهدي من أحببت” وقد يطمئن قلبك وتعيش السلام لأنّك لم تهمل واجبك الشرعيّ، ولم تغص في أوحال الإهمال فأنبتَ الله الثقة داخل قلبك فلا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تُكافأ فيه، ينصرك الله ولو بعد حين، ولن تضيع جهودك هباء منثورًا وإلا ضاعت جميع مقاييس العدالة؛ مصداقًا لقوله تعالى: “.. أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ” (آل عمران: 195).
كنْ مثل طفل في الدعاء لله تعالى، لا تغادر باب الله إلا بعد أن تلحّ عليه في هداية أبنائك، وتكتب العهود والمواثيق على نفسك بألا تستسلم لسوء الظن بالله تعالى؛ لأنك ترى آثار رحمته على غيرك، فتطلق سهام نظراتك على من هم أفضل من أبنائك، ربما كنت أفضلهم ولكن الله أراد امتحانك، وأراد قربك منه حتى يستأنس بك، فلا تغادر رحابه قبل أن تقرّ عينك.
من جهة أخرى لا تكن قاسيًا مع أصحاب البلاء الذين ابتلاهم الله بأولاد عتاة قساة يجترون الشر أينما ذهبوا، ارفق بهم ولا تظهر السخرية منهم، وتعيب تربيتهم فهم ليسوا على دين أبنائهم والرسول الكريم يحذر قائلًا: “من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله”.
فكلّما مرّت الأيام وتقادمت العهود تبدلت أحوال الناس، فأصبح المُبتلى معافى والعكس هو الصحيح.
نسأل الله لنا ولكم السلامة في الدين والدنيا، ونعوذ به تعالى من سوء المنقلب.