مُفرح جدًّا حينما تحضر فرحًا في القطيف -على تعدد مناطقها- وترى العائلةَ كلها حاضرة فرحة، غنيهم وفقيرهم، وأيضًا في الحزن يحضر الأقارب، فإذا أردتَ أن تعرف علاقة صاحب الفرح والحزن بأرحامه، عدّ الذين يحضرون في أفراحه وأحزانه. تقول: ليس هذا في القطيف فقط! أنت على حقّ، في كل مكان يعتز العقلاءُ بأقاربِهم وأرحامهم!
هل كل العوائل هكذا؟ حب وودّ؟ لا، أبدًا! في الدنيا عوائل وأقرباء أعداء حتى الجنون! كبيرهم لا يرحم صغيرَهم، وصغيرُهم لا يوقر ولا يحترم كبيرَهم! الدنيا أيام، بعض النّاس فيها بعداء لا يرغبون في رؤية أقاربهم، وإذا ماتوا قُبروا ودُفنوا على بعد أمتار منهم، حيث لا يمكنهم حينئذٍ التباعد!
وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً ** على المرءِ من وقعِ الحسامِ المهنّدِ
يقول الإمام علي (عليه السلام): “أيها النّاس إنه لا يستغني الرجلُ وإن كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم وهم أعظم الناسِ حيطة من ورائه وألمهم لشعثه وأَعطفهم عليه عند نازلةٍ إذا نزلت به. ولسان الصدق يجعله الله للمرءِ في النّاس خير له من المال يورثه غيره. ومنها، ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصةَ أن يسدها بالذي لا يزيده إن أمسكه ولا ينقصه إن أهلكه. ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تُقبض منه عنهم يد واحدة وتُقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة”.
خلاصة الفكرة: لن تكون قويًّا ومحترمًا إذا فقدتَ احترامَ الأقربين من أهلك. في الأهل وفي الرحم العزّ والجاه وإن تاه بعضهم! حافظ عليهم، تغطَ وتدثر بهم في بردِ الدنيا.
أعطيكم شاهدًا واحدًا لا غير من نوادر الحبّ والوفاء -بين الأرحام- حكاية فاطمة بنت حزام الكلابية، زوجة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان لها أربعة أولاد منه؛ العباس ثم عبد اللّه ثم جعفر ثم عثمان. حضر هؤلاء الإخوة الأربعة مع أخيهم الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء، وجاهدوا أمامه حتّى قتلوا. وكانت أم البنين -أم هؤلاء الإخوة الأربعة- تخرج إلى البقيع كل يوم وترثي أولادها فيجتمع لسماع رثائها أهلُ المدينة فيبكون ويبكي مروان ومما قالته:
لا تدعوني ويك أمّ البنين * تذكريني بليوثِ العرين
كانت بنون لي أدعى بهم * واليومَ أصبحتُ ولا من بنين
أربعة مثل نسورِ الربى * قد واصلوا الموتَ بقطعِ الوتين
تنازع الخرصانُ أشلاءَهم * فكلهم أمسى صريعًا طعين
يا ليتَ شعري أكما أخبروا * بأنَّ عباسًا قطيع اليمين
لا تسمع لمن يقول: الأقارب عقارب! منهم الأوفياء الخلّص، فيهم ذوو مروءة ونخوة وشهامة. ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}؟ أي فيما كتبه الله وقرره وجعله من أحكام!
ولكيلا يكون الكلام كله نصائح معروفة لديكم، ألا ترون أن طقس هذه الأيام معتدل جدًّا -بردًا وسلامًا- لا هو بارد مؤذٍ ولا حار تضيق به الأنفاس! فإن أجسامنا خلقها الله لتعمل بين درجاتِ حرارة أعدّها لها بدقّة فائقة، فإذا نقصت أو زادت عن معدلها أضرت بنا أيما ضرر!