سجّل الشاب علي موسى جعفر الجارودي اسمه ضمن قائمة الأبناء الذين يلتمسون البر بكل ما أوتوا من استطاعة، ليس ذلك فحسب بل إنه كتب حكاية جديدة من حكايات التضحية بجزءٍ منه ليعيش أبوه موسى جعفر الجارودي حياة طبيعية لا يكدرها وجع آلام الكلى ولا أي من متاعبها.
ووسم الجارودي تاريخ يوم الأربعاء 11 جمادى الآخرة 1444هـ، بوسام البر والتضحية حين تبرع لوالده بإحدى كُليتيه، في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام.
حياة طبيعية بكُليتين صغيرتين
حكاية الحاج “موسى” مع أوجاع الكُلى ربما تكون غير معادة أو مألوفة، فهو لم يعانِ من أمراض مزمنة قد تتطور لتتحول إلى فشل كُلوي، بل كانت حياته تسير طبيعية دون مشاكل صحية إلى سنواتٍ قريبة جدًا، رغم أنه مولود بكُليتين صغيرتين منذ ولادته.
ولأن حياته الصحية كانت طبيعية جدًا فإنه لم يعلم بأمر كُليتيه الذي يصنّفه الطب على أنه أحد التشوهات الخلقية في الكُلية، إلى أن قرر السفر للهند للسياحة قبل 30 عامًا.
صدفةً في الهند
يقول أخوه عبد الله: “ولد أخي موسى بكُليتين صغرتين لكنه لم يعلم بذلك مطلقًا، إلى أن سافر إلى الهند، وهناك أصيب بعارضٍ صحي تسبب في دخوله للمستشفى، وحينها علم أخي بأمر كُليتيه”.
ويضيف عبد الله الجارودي: “رغم ذلك فإن أخي ولله الحمد لم يصب بالفشل الكُلوي ولم يشتكِ يومًا من أمر كليتيه، فقد كان محافظًا على صحته جيدًا، حيث إنه كان يهتم بغذائه كما كان ممارسًا للرياضة؛ الأمر الذي جعل حياته طبيعية”.
قرار بالتضحية
بقي الحاج موسى بلا أي ألم أو وجع سنوات طويلة بعد اكتشافه لأمر كُليتيه، إلى أن فاجأته إحدى الكُليتين قبل سنوات قليلة بتوقفها عن العمل، وهنا بدأت مشاكله الصحية.
على الرغم من ذلك لم يختر الحاج موسى أن يخضع لعملية زراعة كُلية جديدة، إلا أن حب الأب حرك التضحية والإيثار عند ابنه البكري “علي”.
فبعد تلك المعاناة التي عاشها الأب مع توقف كُليته قرر علي أن يهب لتخليص أبيه مما يعانيه دون أن يطلب منه ذلك أو يعرض عليه، فقد أبدى رغبته بأن يتبرع لوالده بإحدى كُليتيه.
مواجهة الرفض بالإصرار
تضحية “علي” لم تواجه بالقبول من أبيه، فقد كان رافضًا لذلك العرض بشكل قاطع، فهو ككل الآباء يخاف وجع ابنه حتى وإن كان الثمن وجعه هو لبقية حياته.
واجه علي إصرار أبيه على الرفض بإصرار أكبر وأشد على أن يهبه إحدى كُليتيه، وبقي ملحًا في الأمر مداومًا على محاولات الإقناع إلى أن رضخ والده إلى رغبته ووافق على عملية التبرع قبل عام تقريبًا.
أمضى الأب وابنه عامًا كاملًا في رحلة التحاليل والفحوصات للتأكد من المطابقة بينهما، وتلك الرحلة الطويلة مضت مستقرةً دون أي مشاكل أو صعوبات حتى تقرر تاريخ العملية.
خضع “علي” لعملية استئصال الكُلية قبل يوم من عملية والده أي يوم الثلاثاء 10 جمادى الآخرة 1444هـ، وبعدها بيوم واحد كان الحاج “موسى” راقدًا في غرفة العمليات بانتظار أن يحتضن جسده جزءًا من رد الجميل له كأب.
خوف أبوي وتضحية ابن
يختتم عبد الله الجارودي حكاية أخيه وابنه بقوله: “اجتمعت المشاعر المختلطة داخل قلب أخي موسى وابن أخي علي؛ فالأخير كان يشعر أنه حتى لو قدم حياته لوالده فلن يوفي حقه، أما أخي فكان قد تناسى كل أوجاعه وبقي لديه شعوره بالخوف على ابنه، وهذه هي طبيعة الآباء”.