جمعت أمسية “البدايات والحكايات بين القطيف وسيهات” يوم الإثنين الماضي 2 يناير 2023م، بين المؤرخين؛ حسين السلهام، وعبد الرسول الغريافي، في لقاء غلفته ذكريات الماضي، على مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام، تحدث خلالها كل منهما عن مسقط رأسه، وما اشتهرت به بلدته من عادات وتقاليد.
واستهل “السلهام”، الحديث في الندوة، التي أدارها مشرف التراث والأدب المحلي بالجمعية خالدي الخالدي، قائلًا: “أنجبت سيهات نواخذة كبارًا عرفوا أسرار البحر وغموضه، وكان من بينهم رجل البحر المشهور في سيهات النوخذة محمد خريدة، الذي كان لديه سفينة اسمها الطويلة وكانت تسع 300 شخص، وكان يمتلك كذلك قوة مالية، كنا أن السفينة هي الوحيدة التي لم تتأثر بالأمواج، فكان له دور في إنقاذ الغواصين في سنة الطبعة 1344هـ”.
واستكمل “السلهام” حديثه، مسترجعًا ذكريات لقائه مع “أبو سالم الخالدي”، بعد انقلاب سفينتهما، وهما يجلسان على (البيص) وهو العمود الفقري للسفينة، حتى مر عليهما النوخذة محمد خريدة وأنقذهما، متابعًا: “وصل إنقاذ الخريدة إلى الدمام لينقذ طاقم سفينة (أبو فريد راشد الدوسري) -رحمه الله-“.
وقال “السلهام”: “كانت هناك عدة رحلات للغوص؛ منها رحلة للمحترفين تبلغ مدتها 4 أشهر وتبدأ من شهر يونيو إلى سبتمبر، بينما كانت هناك رحلة للشباب من 15 سنة فأقل تسمى (المناتر) وتكون قريبة من منطقة تسمى (النيوه) في الدمام، وقد اكتشف الياباني كوميتوموتو اللؤلؤ الزراعي والمحار، وبعد سنة أو سنتين من الاكتشاف الياباني بدأ انهيار أسعار اللؤلؤ وانتهاء زمن الغوص”.
وأشار “السلهام” إلى بداية حركة المنطقة وتطورها في عام 1370هـ، حيث وجدت أول مدرسة وتسمى المدرسة الأولى “ابن خلدون”، كما شُقت طرق سيهات سنة 1370هـ، موضحًا أنه قبل شرطة سيهات كان يوجد ما يسمى بـ “عُمدة المنطقة”، وكان عندما يوجد خلاف بين الحلاقين وبائعي الخضروات بسبب ارتفاع أصوات بائعي الخضروات لتسويق منتجاتهم فينزعج الحلاقون من دكاكينهم ويذهبون إلى العمدة لحل الخلاف.
وتابع: “عندما استمر الخلاف جاءت شرطة القطيف لبائعي الخضروات وأخذوهم في سيارة الشرطة، فذهب عبد الله حسين النصر، العمدة حينها إلى إمارة الدمام وأخبرهم بالموضوع وتم إخراجهم من السجن، ومن هنا تم تدوين بداية الشرطة في سيهات، ويذكر أن رئيس شرطة القطيف عُزل بسبب تصرفه عندما سجن بائعي الخضروات”.
وعن السيارات في سيهات قديمًا، أوضح “السلهام” أنه كان لا يوجد في سيهات من لديهم سيارات في ذلك الوقت إلا عدد قليل؛ 4 سيارات مثلًا، وأنواع مثل “السليسي، المشاره”، لافتًا إلى أن الناس كانوا يذهبون إلى مستشفى أرامكو واليبل.
وتحدث “السلهام”، عن مسجد “جواثا” الذي يعود تاريخ بنائه لعام 273م، والمقصود به هنا ليس مسجد جواثا في الأحساء، فبحسب ما ذكر الأعرابي أن جواثا في الخُط وليس الأحساء، كما ذكرت الروايات الهجر في القطيف؛ هجر المكعبر حاكم المشقر، والمكعبر حاكم الزارة.
وعن أبرز المقولات التي اشتهرت بها سيهات في زمن الغوص، ذكر “السلهام” مقولة: ” أهل سيهات ما خلوا حِير ولا مِير”، مشيرًا إلى اشتهار القطيف بأهازيج متناثرة في دول الخليج، وتذكر أنها تابعة لدول الخليج بينما هي لشاعرة مشهورة تُدعى سعيدة بنت ناصر، لديها أرض في الجش سنة 1250.
والتقط المؤرخ عبد الرسول الغريافي أطراف الحديث، ليثري الأمسية بخمسين شريحة مفعمة بالصور والتعليقات الكتابية عن تاريخ القطيف، والتي بدأها بتعريف المحافظة ومدنها وقراها، واختتم حديثه بجزيرتيها (تاروت، ودارين).
وركز “الغريافي”، محور حديثه على النماذج السياحية في المحافظة، متطرقًا إلى المقارنة بين طريقة الوصول في الماضي إليهما؛ حيث كان ماء البحر يفصل بين القطيف وتاروت ودارين فكان العبور بطريقتين إما أثناء المد (السقي) باستعمال القوارب والخطرات، أو أثناء الجزر (الثبر/الفبر)، وذلك بوساطة حمير المرس أي بدون عربات (قواري) أو بالحمير وهي تجر العربات.
وأضاف: “بعد ذلك وتحديدًا بعد عام 1380هـ – 1960م، تم مد الجسور بين القطيف وتاروت باستخدام صخور جبل الحريف، والذي أُزيل في وقت متزامن مع إنشاء جسر تاروت حيث تم أيضًا شق شارع الإمام علي بن أبي طالب والذي توجب معه إزالة جبل الحريف، فكانت فرصة لاستعمال صخوره لإنشاء الجسر لتمر من خلالها السيارات، وأما في أيامنا هذه فهناك ثلاثة جسور تأخذنا لتاروت ودارين”.
ولفت “الغريافي” إلى عنوان أمسيته “ذاكرة القطيف من عصر اللؤلؤ والسلوق إلى عصر الذهب الأسود فالكهرباء”، متحدثًا عن تاريخ استخراج اللؤلؤ من سنة 2000 قبل الميلاد، حيث كان موسم اللؤلؤ 120 يومًا، يبدأ من 1 يونيو إلى 22 سبتمبر وكان يُصدَّر إلى؛ الهند، تركيا، باريس، ولندن سنة 1344هـ في سنة الطبعة وقد سبقتها سنة الطفحة.
ووصف “الغريافي” طبيعة القطيف الأنثروبولوجية من حيث سكانها وتركيبة الأحياء المكونة لها، ومن بين العناصر المقدمة لها الخوض في تجارة اللؤلؤ، وتجارة السلوق المجفف، معقبًا: “يُعد جمرك القطيف أول جمرك في الشرقية وله دور في تصدير اللؤلؤ والسلوق قديمًا، حيث كانت تعلق الفوانيس في الطُرقات وما بعدهُ من زمن تدشين الكهرباء، ومن ثم التطرق للتعليم التقليدي، ثم دخول التعليم الأكاديمي الحديث”.
وذكر “الغريافي”، أنه كان يوجد بالقطيف مخزون هائل من المياه الجوفيّة العذبة والعيون سابقًا، حيث كانت تتدفّق عيون غزيرة فوق أراضي واحة القطيف وتوابعها، وبين بساتينها ونخيلها.
وتطرق “الغريافي”، في حديثه إلى الزواج التقليدي في الماضي، بداية من تجهيز الفتاة الذاتي لنفسها حيث كانت تعد أغطية (الدواشق) والمخدات والبردات البيضاء، وتقوم بتطريزها بما يعرف بخياط المدرسة وذلك بزخرفتها بالخيوط الملونة إلى مرحلة التقديم للخطوبة ثم الإعلان للمجتمع عن الخطوبة “وهو العقد” عن طريق توزيع الأسماك على الأهل والأقارب والأصدقاء، ثم الاستعداد بثلاث ليالٍ للحناء والخضاب والجلوات للعروس وليلة واحدة للحناء بالنسبة للعريس.
واستطرد: “ثم بعد ذلك تلي ليلة الدخلة، سبعة أيام بلياليها تعرف بأيام القيولة لا يخرج العروسان من عشهما الزوجي، إلا للضرورة وفي الليل لاستقبال المهنئين لمدة سبع ليالٍ وتكون في خدمتهما امرأة تعرف بالداية، وفي صبيحة اليوم الثالث تستقبل العروس أطفال أهل الحي لتوزع النقال أو النقل عليهم ويسمى بالثالث وفي هذه الليلة يزور العروسان وأسرة العريس ومن معهم أسرة العروس التي لم تحضر مراسم الزواج مطلقًا، وذلك بدعوة من أسرة العروس ثم بعدها يبدأ والدا العروس بزيارة أهل العريس”.