الحكاية تتكرر، لكن الأبطال يختلفون، والتفاصيل تتغير، والتواريخ لا تشبه بعضها، وحده الهدف يبقى ثابتًا؛ أن يكون جزءٌ من العائلة سليمًا معافًى بجزءٍ آخر من العائلة، هذا ما دفع زينب حبيب محمد ناصر أبو سرير، لأن تتبرع بإحدى كليتيها لأخيها يوسف، لتخلصه من كل أوجاعه وآلامه، بعد سنوات من معاناته مع المرض.
سكرٌ مرّ
بدأت حكاية يوسف بإصابته بمرض السكري، قبل 15 عامًا، ليعيش مع هذا المرض “المرّ” في مفاجآته، المتعب بجميع حالاته، مع ذلك حاول أن يتعايش معه خلال تلك الأعوام كلها، إلى أن غدر به وفاجأه بواحدة من أشد مفاجآته وجعًا.
تقول أخته سلوى: “أمضى أخي سنوات من عمره وهو يعيش رحلة صعبة مع مرض السكري، حتى تأثرت إحدى رجليه بالالتهابات، إلى أن تسببت الأدوية التي يتناولها في قصور في وظائف الكلى، ومن هنا بدأت رحلة جديدة مع آلام الفشل الكلوي”.
يحتاج لـ كلية.. والإخوة يتنافسون
قبل عام ونصف قالت آلام الفشل الكلوي كلمتها؛ “يوسف يحتاج لكلية”، وهنا تحركت عاطفة الحب الأخوي تدفع أبناء حبيب أبو سرير لإنقاذ حياة أخيهم، ولم تكن زينب وحدها من تحركت مبادرةً لتهبه كليتها.
تقول أختهما: “بعد أن علمنا بوضع أخينا الصحي، أبدى العديد من الأطراف رغبتهم في أن يفدوا أخاهم بواحدة من كلاهم، حيث بدأ أخي جهاد بإجراء الفحوصات إلا أن التوافق لم يتم، كذلك عرض أخي سعيد وأختي أفراح وكذلك مريم ابنة أخي أحمد، إلا أن الله شاء أن يكون هذا الشرف من نصيب أختي زينب، فقد سبقتهم في عمل الفحوصات وأصرت على أن تمنح أخيها جزءًا منها ليعيش حياته دون معاناة”.
آخر العنقود تكتب البداية
بين 11 أخًا وأختًا، يأتي يوسف في الترتيب السادس، بينما تقف زينب في النهاية، فهي آخر العنقود، ورغم أن الأخير يكون عادةً كنقطة تختم السطر، إلا أن زينب تحولت إلى جملة بداية في فصل جديد لحياة أخيها الأوسط.
وقبل 10 أشهر تقريبًا بدأ فصل جديد في حكاية الأخوين، بعد عزم زينب على أن تكون المتبرعة لأخيها، ففي شهر شعبان الماضي خضعت لفحوصات في مستشفى القطيف المركزي، وأكملت بقية ما تحتاجه من فحوصات بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، وذلك ليتم التأكد التام من توافق الكلى، والتأكد أيضًا من صحة المتبرعة مما أخضعها لفحوصات دقيقة وشاملة وليس فقط للكلى، كما هو حال بقية المتبرعين.
أخوان تربطهما “كلية“
وفي يوم الثلاثاء 26 جمادى الأولى 1444هـ، أصبح يوسف يشارك أخته زينب شيئًا آخر غير الدم، بعد أن تمت العملية بنجاح ووهبت أخاها إحدى كليتيها.
مساندون
في المعركة التي وقفت فيها زينب تحارب مرض أخيها، لم تكن تقف فيها جنديًا مفردًا، فقد تسلحت بقوة إرادتها وحبها لأخيها، كما كان يقف خلفها جيش من الإخوة المحبين، فعلى الرغم من خوف بعضهم عليها وعلى أخيها في بداية الأمر، فإنها بعد ذلك حظيت بتشجيع كبير ومساندة من عائلتها، وخصوصًا زوجها رضا عبد العلي اليعقوب.
ولأن الصديق الحقيقي يظهر وقت الضيق، برز معدن إيمان إبراهيم الضامن كصديقة حقيقية لزينب، فقد كانت ترافقها أثناء الفحوصات حتى وقت مغادرتها من المستشفى بعد العملية، كما كانت يدًا مساعدة لأخواتها في رعايتها في المنزل بعد خروجها من المستشفى.
أيضًا وفقت “أبو سرير” بزوجة أخٍ كانت بمثابة الأخت؛ فاطمة إبراهيم جليح، التي تعمل ممرضة في نفس المستشفى الذي خضعت فيه للعملية.
مشاعر
الحب الذي يقطن قلب الأخت هو ذاته الذي كان يسكن قلب “يوسف”، ففرحة الحصول على متبرع لم تنسه شعور الخوف الشديد على صحة أخته.
تصف سلوى أبو سرير مشاعره بقولها: “كان أخي يكرر السؤال والتأكد من الأطباء حتى وقت ما قبل العملية بساعات على صحة زينب، لقد كان مهتمًا جدًا بألا يسبب لها أي ضرر وألا يؤثر عليها سلبيًا”.
وتضيف: “أما زينب فقد حركتها مشاعر الأخوة لتهب للتبرع، فقد عُرف عنها خوفها الشديد من المستشفى ومن العلاج بالإبر خاصة، واليوم بعد أن أنهت عمليتها نجدها تؤيد أي شخص يتمتع بصحة جيدة ليبادر إلى التبرع لينهي بأحد أعضائه معاناة أحد المرضى.