يخفي البحر في أعماقه اللؤلؤ والمحار، والكثير من الأسرار التي يحمل مفاتيحها الغواصون والبحارة، ومنهم الغواص ابسيد قاسم سعيد شرف الشاخوري، الذي تربى وترعرع على حكايات البحر في منزل جده؛ ليرتبط بالبحر ومياهه الزرقاء، مما دفعه لتعلم السباحة ذاتيًا في عيون العوامية الجوفية والإرتوازية مع أصدقائه في عمر الـ9 سنوات.
البداية
نشأ “الشاخوري” في عائلة تحب البحر حيث كان والده يحب “الحداق”، وكان شقيقه الأكبر يحترف الغطس، وجده -رحمه الله- كان نوخذة، فضلًا عن خروجه مع أسرته دائمًا للنزهات البحرية، مما أثّر كثيرًا في تكوينه وارتباطه بالبحر الذي نقله فيما بعد لأولاده حيث حرص على تعليمهم السباحة في سن صغير.
استرجع “الشاخوري” خلال حديثه لـ«القطيف اليوم» ذكرياته عندما نجح في الصف الثالث الابتدائي واشترى له جده دراجة، معقبًا: “بهذه الدراجة لم أترك مكانًا إلا ذهبت إليه، من القطيف إلى صفوى وكانت تعتبر بداية تعلقي بالبحر”.
عالم أزرق مختلف
بعد تعلمه السباحة انتقل “السيد قاسم” إلى الصيد على طريقة “الحداق” بأحد شواطئ القطيف، حتى عمر الـ21 عامًا، وشجعه على ذلك شقيقه الأكبر السيد ماجد الذي كان يمارس رياضة الغوص ويصيد الأسماك الكبيرة مثل الهامور.
وعن ذلك قال: “البحر عالم أزرق مختلف تمامًا عن العالم اليابس فقلت له خدني معك، واشتريت معدات الغوص السطحي، وأصبحت أمارس الغوص الحر معه”.
وقرر بعدها “السيد قاسم” أن يتعمق أكثر في البحر الذي يعني له الاحتواء والعطاء والإنصات، فهدف في عام 2003 للحصول على دورة غوص دولية تسمح له بممارسة الغوص والبدء في دخول العالم الأزرق، فتواصل مع أحد المدربين المحليين للتدريب والحصول على رخصة “غواص المياه المفتوحة”.
صيد ثمين
استرجع “الشاخوري” ذكرياته مع تدريبات الغوص، متذكرًا مواقف مميزة لا تُنسى، مبيّنًا أن أبرزها عندما مارس الغوص في آخر تدريبات دورة غواص المياه المفتوحة لاصطياد الأسماك، ليخرج معه سمكة كنعد بوزن 6 كيلو تقريبًا؛ ما أثار إعجاب مدربه وزملائه في المجموعة بمهارته.
دورات احترافية
“في مجال الغوص لن تزداد خبرتك ومعرفتك دون مواصلة التعلم” بهذه الكلمات استكمل الشاخوري حديثه، موضحًا أنه حصل على 6 دورات، و6 تخصصات ترفيهية قبل الوصول إلى المستوى الاحترافي، ليحصل بعده على 5 مستويات احترافية، حتى مستوى كبير المدربين، إضافة إلى أكثر من 19 تخصصًا تدريبيًا يتطلب منه تدريب أكثر من 200 غواص بما فيها المستويات الاحترافية.
ليس مجالًا واحدًا
ذكر “السيد قاسم” أن الغوص ليس مجالًا واحدًا، ولكنه عدة مجالات منها الغوص الترفيهي ويندمج تحته عشرات التخصصات والمستويات، والغوص العسكري، والغوص العلمي، والغوص التدريبي، والغوص الاستكشافي، والغوص الصناعي، والغوص المدني، والغوص التجاري، والغوص في أعمال الإنقاذ وأيضًا يندرج تحت كل نوع من الغوص تخصصات ومستويات كثيرة.
من المدربين النخبة
رغم أنه سبقه الكثير من حقبة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من أبناء القطيف لهذه الهواية، حيث لم يكن بتلك الفترة هناك مدربون محليون حيث كانت الأكثرية مدربين أجانب، إلا أنه يصنّف من المدربين النُخبة على مستوى العالم وبالأخص في المملكة ومحافظة القطيف.
الغوص علاج روحي
يمتهن الشاخوري مهنة حكومية، ورغم ذلك إلا أنه يعتبر الغوص علاجًا روحيًا لضغوطات الحياة، فعندما يستعد للغطس يكون في كامل نشاطه وسعادته.
ويرى “الشاخوري” أن البحر يغسل هموم الإنسان، ويخرج منه خاليًا من جميع ما دخل به، ويرى أن الغوص على المستوى الشخصي قدم له الصحة والعافية والنفسية الطيبة، وزرع بداخله حب مساعدة الآخرين وتقديم المعلومات والخبرة للجميع، معتبرًا أن تدريب الغوص أمانة يحتم عليه واجبه الشرعي تحبيب المتدربين في العالم الأزرق.
إنجازات محلية ودولية
شارك “الشاخوري” في مسابقات الغوص السنوية التي تقام بالجبيل مع شقيقه الأكبر، وحقق مراكز متقدمة من الأول إلى الخامس، حسب ظروف الغوص وعدد المشاركين الذين تجاوز عددهم آنذاك 60 فريقًا مشاركًا.
وهو يضع في كل عام مخططًا جديدًا للغوص في أماكن معينة، يسعى دائمًا للوصول إلى أماكن جديدة، مثل بحيرة دومة الجندل في شمال المملكة العربية السعودية، التي قام بالغوص فيها مع مجموعة من زملائه، وأيضًا الغوص في كهف “هيت” بمدينة الرياض، وهو أحد الكهوف الصخرية المغمورة بالمياه ويتجاوز عمقه 240 مترًا، والتي وصف تجربته بالغوص فيه بـ الممتعة.
أماكن
وعن أبرز الأماكن التي قام بالغطس فيها داخل وخارج المملكة، ذكر أنه ممارس نشط لا يمر أكثر من أسبوع دون غوص، وشملت تجاربه جميع شواطئ المنطقة الشرقية من الخفجي شمالًا وحتى شاطئ الكويفرية جنوبًا بالقرب من الحدود الإماراتية، وأكثر جزر الخليج العربي، بالإضافة إلى الغوص في جميع دول الخليج من الكويت وحتى عمان جنوبًا، وأيضًا البحر الأحمر من حدود مدينة حقل شمال وحتى الليث جنوبًا، لافتًا إلى أن الخليج العربي يمتاز بوفرة الأسماك، ولا يوجد به أعماق كبيرة، بينما يعد البحر الأحمر من أجمل بحار العالم؛ لذا فهو يسافر للغطس من 4 لـ5 مرات في العام، ليسجل أكثر من 3000 غوصة خبرة مسجلة لدى المنظمة حتى الآن.
مخاطر وصعوبات
هواية الغوص لها مخاطرها كأي هواية، لذا ينصح “الشاخوري” بالتدريب والالتزام بتعليمات المدرب، معلقًا: “البحارة والغواصون يقولون بأن البحر ما فيه رجال، في إشارة إلى عدم مواجهة الطبيعة لأنها ستغلبك، وأنت عندما تغوص تتعرض إلى عوامل فيزيائية متغيرة حسب العمق، لن تستطيع التغلب عليها بذكائك، فالتزم بما تدربت عليه واستمتع”.
واستكمل قائلًا: “نغوص على مدار العام ولكن البعض يتجنب الغوص بالشتاء، تجنبًا للمخاطر، ونحن لا يمنعنا سوى سوء الأحوال الجوية حيث توجد لدينا المعدات المناسبة لجميع ظروف الغوص، ويزداد إقبال الغواصين على ممارسة الغوص بفصل الصيف، ويفتتح الموسم في شهر أغسطس من كل عام”، مشيرًا إلى أن مدة الغوصة بالعادة تتراوح بين 30 لـ60 دقيقة، قد تطول أو تقصر حسب عوامل كثيرة، منها: العمق وحجم الأسطوانة، ولياقة الغواص، وظروف الغوصة.
صعوبات
واجه “الشاخوري” عند بداياته في الغوص عدة صعوبات كان أبرزها عدم توافر مدرب لاستكمال باقي المستويات ولكنه سعى حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، فهو يرى أن الغوص الآن أسهل من الماضي، نظرًا لتوافر المدربين والمواد التعليمية باللغة المحلية، ومنصات رقمية تختصر الوقت فيستطيع المتدرب حضور الجانب النظري في بيته.
ونوه بأن القطيف كانت لا يوجد فيها سوى 3 مدربين فقط سابقًا، بينما الآن فيها أكثر من 40 مدربًا ومحترفًا للغوص منهم 7 من طلابه من أصل أكثر من 700 طالب وطالبة تدربوا على يديه، وصدرت لهم رخص دولية.
إنجازات خاصة
وبحكم دراسته الجامعية وتخصصه بالتربية الخاصة؛ قام “الشاخوري” بتبنّي دمج فئات المجتمع من الصم والبكم، وأيضًا أصحاب الهمم في الغوص، ولم يكتف بذلك بل قام بتصميم أكثر من برنامج لهم خلال السنوات الماضية، فضلًا عن استحداث برنامج جديد لدمج أصحاب متلازمة داون بمشاركة نخبة من مدربي المنطقة الشرقية، مضيفًا أن اللياقة البدنية وحبه وشغفه للهواية كان من أهم العوامل التي ساعدته على الاستمرارية والوصول للمستويات الاحترافية، بالإضافة إلى زملائه الذين يمارس معهم الهواية، حيث كان لهم أثر بالغ في مسيرته.
وقال “الشاخوري”: “الكثير قدم لنا وكان حلمه أن يغوص مع الأسماك وأن يصبح بلا وزن، وبدأنا مع كل الأعمار بداية من عمر 8 سنوات، وأتذكر أن إحدى الفتيات كلمتني وقالت لي بأن حلم حياتها أن تغطس فقلت لها إن شاء الله فقط أحتاج منك الثقة، فدرّبتها بالمسبح ومن ثم انتقلت معها للبحر ولما صارت على السطح قالت لي تراني خايفة، وقلت لها حلمك أنت تحققينه وليس أنا، وبالفعل نزلنا واستطاعت الغطس وتقديم الأكل للأسماك وأنا أرى لمعة الفرح والسعادة في عيونها، وبعدما انتهينا وطلعنا قامت تبكي وتقول أول حلم أحققه مو مصدقة حالي”.
أسرار ونصائح
أفصح “الشاخوري” عن أن الغوص يحتاج إلى مهارات خاصة تكتسب بالتدريب؛ حيث يتطلب من الغواص طوال الوقت التزود بالمعلومات، ولذلك نصح كل المبتدئين بالاحتكاك مع المحترفين القدوة الملتزمين والمطلعين بكل ما يستجد بعالم الغوص، إضافة إلى جمع معلومات عن مكان الغطس قبل النزول.
وشدد على ضرورة الانصياع لتعليمات المدرب، وخاصة تحت الماء حيث توجد 30 إشارة وإيماءة للتواصل مع المدرب أثناء الغوص، والالتزام بالأدوات اللازمة والحديثة، كما أكد على الكشف الطبي على المتدرب؛ لتلافي وقوع أي مخاطر صحية.
ولفت إلى إمكانية تدريب الأطفال على الغوص من عمر 8 سنوات ولكن في المسبح، حيث إن هناك برنامجين أحدهما باسم “صانع الفقاعات” والآخر “سباع البحر”، لتأهيلهم للحصول على رخصة دولية بممارسة الغوص عند عمر 10 سنوات.
وشجع النساء الراغبات في تعلم الغوص على خوض التجربة، معقبًا: “الغوص ليس لجنس الرجال فقط، فالهواية مشتركة بين الرجال والنساء، ولدينا زميلات من جميع دول العالم نلتقيهن داخل السعودية وخارجها، ورسالتي للجميع أن رياضة الغوص هي رياضة تمنحك الإيجابية وتمنحك الصحة والجمال، وهي من أرقى الرياضات حيث يمارسها جميع فئات المجتمع فهي رياضة اجتماعية من الدرجة الأولى”.