فجر اليوم، 28 كانون أول/ديسمبر، كانت درجة الحرارة 12 – 13 درجة مئويَّة والرياح تهب نشطة -أظنها من الشمال الغربي!- شكرًا لله على تقلب الأحوال من حالٍ إلى حال. في بعض بلدان العالم عواصف وثلوج وعندنا رحمة من الله.
قبل أكثر من خمسين سنة كان هذا الجو وقوة الرياح مؤذيين جدًّا! وبما أننا في تقلبات الطقس راودتني خاطرة عن تقلب أحوال أيوب النبيّ وزوجته “رحمة”، سلام الله عليه ورحمته عليهما.
“أيوب” النبي وقصته وردت في عدة سور من سور القرآنِ المجيد. أشار القرآن الكريم بصورة خفية إلى الابتلاءات الشديدة التي لا تطاق، وإلى الألم والعذاب الذي مسّ أيوب (عليه السلام). لم يرد في القرآن الكريم شرح مفصل لما جرى على أيوب (عليه السلام) -ما ترك باب الخيال القصصي والتاريخيّ واسعًا- والمؤكد أن أيوب كان ذا نعمة عظيمة ثم زالت النعمة وحلّ محلها البلاءُ الشديد، ثم عادت إليه نعمُ الله مرة أخرى!
تَتذوقون حلاوة قصة أيوب (عليه السلام) ومرارتها من القرآن الكريم مباشرة دون تأويل، لكن أمرين يدفعان للتأمل في فترة مرض وشفاء أيوب عليه السلام:
ألسنة النّاس وشماتة الأعداء.
صبر زوجته رحمة.
بإمكاني أن أقول: امرأة واحدة مخلصة تساوي مليون صديقٍ شامت! يذكر المفسرون كلامًا كثيرًا في حكاية أيوب (عليه السلام) وأصدق الحديث ما جاء أو فُهم من القرآنِ مباشرة عنه وعن امرأته -رحمة بنت أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام)- من وفاء صحبتِها أيوب ومشاركتها له الحلوة والمرة. أجزم -دون تردد- أن الشامتين أكثر من الحشرات في كل زمان، أما الأوفياء فيعدّون على أصابع اليد الواحدة!
زارت أيوبَ مجموعةٌ من رهبان بني إسرائيل وقالوا له: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبكَ لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه، وما نراه ابتلاك بهذا الابتلاء الذي لم يبتلِ به أحدًا إلا من أمرٍ كنت تستره؟ فقال أيوب (عليه السلام): “وعزة ربي لم أرتكب أيّ ذنب، وما أكلتُ طعامًا إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي”.
مؤلم جدًّا أن يظن ويشمت بك الأقربون، ورغم هذا لم يفقد أيوب صبره، إنما توجه إلى البارئ -عزّ وجلّ- وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}. جاء في إحدى الروايات أن أيوب (عليه السلام) سُئل بعدما عافاه الله، أي شيء كان أشدّ عليك مما مر؟ فقال: شماتة الأعداء.
قالت امرأة أيوب (عليه السلام) له يومًا: لو دعوتَ الله أن يشفيك؟ فقال: ويحكِ كنا في النعماء سبعينَ عامًا فهلمّ نصبر في الضرّاء مثلها!
فلم يمكث بعد ذلك إلا يسيرًا حتى عوفي. جاء الفرج في النهاية! خرج أيوب (عليه السلام) ناجحًا بدرجةٍ كاملة، سالمًا معافى! صدر إليه الأمر الإلهي: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}.
عادت النعم الإلهية كلها والنعمة الكبرى الأولى التي أعيدت على أيوب هي العافية والشفاء والسلامة {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
هل في هذا الزمان من النساءِ من تصبر صبر رحمة؟ هل لا يوجد من يفرح ويُسرّ بمكروهٍ أو أذًى يصيبُ غيره؟ في ضجيج الحياة، هل يعلو صوتنا بشكر الله على نعمه التي لا تحصى؟