عاتبنا الزمن.. لكن العتب لا يفيد!

عن الريّان بن الصلت قال: أنشدني الرضا (عليه السلام لعبد المطلب):
يعيب النّاس كلهم زمانًا * وما لزمانِنا عيبٌ سوانا
نعيبُ زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمانُ بنَا هجانا
وإن الذئب يترك لحمَ ذئبٍ * ويأكل بعضنا بعضًا عيانا
لبسنَا للخداعِ مسوكَ طيبٍ * وويلٌ للغريبِ إذا أتانا

مع أن هذه الأبيات -تقريبًا بعينها- تنسب للشافعي أيضًا!
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا * وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ * وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ * وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضًا عَيانا

قيل لك ولصديقك ادخلا هذه الأرض المسورة بحائط، فإنّ على قاعها جواهر وحصيّات، ولكلّ واحد منكما ساعة يجمع ما أراد من جواهر ويدع الحصيات. أنت، شغلتك الحجارة عن جمع الجواهر، وعندما قال المسؤول: انتهى الوقت، قلتَ هذا ليس عدلًا، ثم اشتكيت من الوقت! أما صاحبك فلم تشغله الحصيّات وجمعَ ما كاد أن يعجز عن حمله من الجواهرِ والدرر!

هكذا حالنا في هذه الآونة، نشتكي؛ وسائل تواصل تسرق الوقت وفيها كذا وكذا من الآثام وهذا زمان النّاس يفعلون فيه الأفاعيل! احترامي لكم، ليس هذا عيبًا في الزمان، إنما العيب فينا. لا دخل للزمان بما يفعله أهله، الصندوق لا يهمه إن حفظتَ فيه ذهبًا أو حجرًا. لا تستغرب -أيها القارئ العزيز- لو قيلَ لك إن -بعض- شبّان وشابات هذا الجيل أكثر ثقافةً وعلمًا ممن قبلهم! أما السلوك فهم يشتركون في المخالفات مع غيرهم، حيث كان في الجيل الماضي أشياء بشعة وفظيعة -جدًّا- أيضًا.

الجهل والأمية والفقر كانت آفات حاضرة بشكلٍ ملحوظ قبل خمسين سنة، الآن لا عذر لمن لا يريد أن يتعلم! لا شيء ممنوع في العالم. هذا زمن العلم والمعرفة، ليس “زمن الطيبين” الذي لم يتوفر فيه شيء سوى الجهل والفقر وقلة المعرفة!

هذه المقدمة الطويلة أرغب أن أختصرها في كلمات: الخير والشرّ موجودان في الإنسان وليس في الزمان، العلم والجهل موجودان في كل زمان! المتضادات من القيم والأفعال الإنسانيّة كانت ولم تزل موجودة -في الإنسان- ولن تزول.

{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
“النجد”: المكان المرتفع، و”تهامة” وهي الأرض المنخفضة، رمزان للخير والشرّ والسعادة والشقاء. الحرية لنا في أي طريق نَختار، مع أن كل طريق -الخير والشر- له متاعبه ومشكلاته.

بعد أقل من أسبوع تغيب شمسُ سنةٍ كاملة ويأتي الصبحُ على سنةٍ جديدة. أولئك الذين ربحوا في السنةِ المنتهية سوف يمدحونها، والذين خسروا فيها سوف يلعنونها بدلًا من لعنهم وشكواهم أنفسهم، وابن أبي طالب (عليه السلام) يقول:”من عتبَ على الزمانِ طالت معتبته”.



error: المحتوي محمي